جئت بـ (الذي) فقلت: (رأيت الرجل الذي يضرب أخاه) فتوصلت بالذي إلى وصف الرجل بكونه يضرب أخاه، وذلك أن نعت المعرفة يكون بأل إذا كان اسما فتقول (أقبل الرجل الكريم) فوصفت الرجل بالكريم، وقد أدخلت (أل) عليه.
ولما كان لا يمكن ادخال (أل) على الجمل جيء بالذي لتقوم مقام أل، فكما إنّ (أل) تدخل على المفرد وتؤثر فيه التعريف تدخل (الذي) على الجملة فهي أداة يتوصل بها إلى التعريف بالجملة على إن العامة لا يزالون عندنا يعرفون الجملة بأل، فيدخلونها عليها فيقولون (رأيت الرجل الهرب) و (اليعطي أحسن من اليأخذ) بمعنى رأيت الرجل الذي هرب، و (الذي يعطي أحسن من الذي يأخذ) وال ههنا موصولة، واصل التعبير عربي قديم.
وكما إنّ (أل) تكون عهدية وجنسية، تكون "الذي" كذلك، فهي للعهد في قولك "سافر الذي كان معنا أمس" وهي للجنس، في قولهم "الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم" جاء في "دلائل الإعجاز": "والقول المبين في ذلك أن يقال: إنه إنما احتلت (يعني الذي) حتى إذا كان قد عرف رجل بقصته وأمر جرى له، فتخصص بتلك القصة وبذلك الأمر عند السامع، ثم أريد القصد إليه ذكر (الذي).
تفسير هذا أنك لا تصل (الذي) إلا بجملة من الكلام قد سبق من السامع علم بها، وأمر قد عرفه له، نحو أن ترى عنده رجلا ينشد شعرًا فتقول له من غد: ما فعل الرجل الذي كان عندك بالأمس ينشدك الشعر؟
هذا حكم الجملة بعد (الذي) إذا أنت وصفت به شيئا، فكان معنى قولهم: إنه أجتلب ليتوصل به إلى وصف المعارف بالجمل، إنه إنما جيء به ليفصل بين أن يراد ذكر الشيء بجملة قد عرفها السامع، وبين أن لا يكون الأمر كذلك ..
وعلى الجملة فكل عاقل يعلم بون ما بين الخبر مع الذي، وبينها مع غير الذي، فليس من أحد به طرق إلا وهو لا يشك أن ليس المعنى في قولك (هذا الذي قدم رسولاً