للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذهب فكره إلى أشياء من أنواع المكروه، فلم يدر أيها يبقي، ولو قلت: لأضربتك فأتيت بالجواب، لم تبق شيئا غير الضرب (١).

وجاء في (الاتقان): " إنما يحسن الحذف لقوة الدلالة عليه، أو يقصد به تعديد أشياء فيكون في تعدادها طول وسآمة، فيحذف ويكتفي بدلالة الحال، وتترك النفس تجول في الأشياء المكتفي بالحال عن ذكرها، قال ولهذا القصد يؤثر في المواضع التي يراد بها التعجب والتهول على النفس، ومنه قوله في وصف أهل الجنة: {حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها} [الزمر: ٧٣]، فحذف الجواب إذا كان وصف ما يجدونه ويلقونه عند ذلك لا يتناهي، فجعل الحذف دليلا على ضيق الكلام عن وصف ما يشاهدونه، وتركت النفوس تقدر ما شاءته، ولا تبلغ مع ذلك كنه ما هنالك، وكذا قوله: {ولو ترى إذ وقفوا على النار} [الأنعام ٢٧]، أي لرأيت أمرًا فظيعًا لا تكاد تحيط به العبارة" (٢).

قال تعالى: {وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم} [الزمر" ٧١].

وقال: {وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا، حتى إذا جاءوها وفتحت ابوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين} [الزمر: ٧٣]

فقال في أهل جهنم: {حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها} فجعل جواب الشرط (فتحت أبوابها) وقال في أهل الجنة: {حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها} فجاء بالواو (وفتحت) وحذف الجواب.

قالوا: لأن جهنم سجن لأصحابها، والسجون مغلقة الأبواب، لا تفتح إلا لداخل فيها أو خارج منها، كما قال تعالى: {إنها عليهم مؤصدة} [الهمزة: ٨]، في حين قال في أهل الجنة (وفتحت أبوابها) لأن أبوابها مفتحة، لأنها دار الكرامة، قال تعالى: {جنات عدن


(١) شرح ابن يعيش ٩/ ٩
(٢) الاتقان ٢/ ٥٧

<<  <  ج: ص:  >  >>