للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنه قوله:

لا تفزع الأرنب أهوالها ... ولا ترى الضب بها بنجحر

أي لا أرنب بها فتفزعها أهوالها (١)، وليس المقصود أن بها أرنبا لا تفزعها الأهوال، وكذلك قوله (ولا ترى الضب بها ينجحر) " فإن ظاهر المعنى من هذا البيت أنه كان هناك ضب، ولكنه غير منجحر، وليس كذلك، بل المعنى أنه لم يكن هناك ضب أصلا" (٢).

وجاء في (دلائل الإعجاز): " أنه من حكم النفي، إذا دخل على كلام، ثم كان في الكلام تقييد على وجه من الوجوه، أن يتوجه إلى ذلك التقييد وأن يقع له خصوصا.

تفسير ذلك، أنك إذا قلت (أتاني القوم مجتمعين) فقال قائل: (لم يأتك القوم مجتمعين) كان نفيه ذلك متوجهًا إلى الإجتماع الذي هو تقييد في الإتيان، دون الاتيان نفسه، حتى أنه أراد أن ينفي الاتيان، أصله كان من سبيله أن يقول، أنهم لم يأتوك أصلا، فما معنى قولك مجتمعين؟ هذا مما لا يشك فيه عاقل ..

فإذا قلت: (جاءني زيد راكبا) و (ما جاءني زيد راكبا) كنت قد وضعت كلامك، لأن نثبت مجيئه راكبا أو تنفي ذلك، لا لأن تثبت المجيء وتنفيه مطلقا هذا ما لا سبيل إلى الشك فيه (٣).

والصواب ما ذكرنا، ، فإن نفي القيد قد يفيد حصول الأصل، وقد يفيد نفي الأصل أيضا كما أوضحنا.

د - وإذا تعددت القيود، احتمل أن يكون المراد نفي القيد الأخير، واحتمل أن يراد نفي القيود كلها، واحتمل أيضا أن يكون المراد نفي الأصل أيضا، فإذا قلت مثلا (ما رأيت رجلا غريبا طويلا) احتمل أن تكون رأيت رجلا غريبا فقط، وليس طويلا، وقد تكون رأيت رجلا لا غريبا ولا طويلا.


(١) الخصائص ٣/ ١٦٥
(٢) المثل السائر ٢/ ٦٦
(٣) دلائل الإعجاز ٢١٦ - ٢١٧

<<  <  ج: ص:  >  >>