للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن المراد بهم جميع الكفار ممن يستمعون إليه، فوحد الاستماع في الأنعام لقلة المستمعين، وجمعه في يونس لكثرتهم ففرق بين الجمعين، فجعل الأفراد للقلة والجمع للكثرة ليوافق اللفظ المعنى (١).

ونحوه قوله تعالى: {ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا} [محمد: ١٦]، فجاء به بلفظ المفرد لأنهم بحضرته، بدليل قوله (حتى إذا خرجوا من عندك) أي هم قلة بخلاف آية يونس، فانظر أنه لما كان المستمعون في آية الأنعام وآية محمد قليلين، أفرد اللفظ ولما كانوا كثيرين في آية يونس حمل على المعنى فجمع.

وأما أفراد النظر في قوله تعالى: (ومنهم من ينظر إليك) فهو للسبب نفسه، فإن المستمعين لما كانوا أكثر من الناظرين، لأنه يراد بالمستمعين جميع الكفار، كما ذكرنا جميع المستمعين، وأفرد الناظرين جاء في (روح المعاني): "ومنهم من يستمعون إليك: وجمع الضمير الراجع إليه رعاية لجانب المعنى، كما أفرد فيما بعد رعاية لجانب اللفظ ولعل ذلك للإيماء إلى كثرة المستمعين بناء على عدم توقف الاستماع على ما يتوقف عليه النظر من الشروط العادية أو العقلية" (٢).

وأما قوله تعالى: {يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها} [النساء: ١٣] وقوله: {يدخله نارًا خالدا فيها} [النساء: ١٤]، فقالوا فيهما إنّ الحكمة في جمع الوصف أولا للأشعار بالاجتماع المستلزم لزيادة الأنس والسعادة عند أهل الجنة، فإن الوحدة لا تطاق، وأفرده لزيادة التعذيب عند أهل النار، فإنه تعذيب بالنار والوحدة جاء في (حاشية يس على التصريح) في هاتين الآيتين: "ولعل الحكمة في جمع الوصف أولاً بذلك، الاعتبار وإفراده ثانيا باعتبار اللفظ ما في صيغة الجمع من الأشعار بالاجتماع المستلزم للتأنس زيادة في النعيم، وما في الأفراد من الأشعار بالوحدة المستلزم للوحدة زيادة في التعذيب كما ذكره المولى أبو السعود".


(١) انظر معترك الأقران ٣/ ٣٢٣
(٢) روح المعاني ١١/ ١٢٥

<<  <  ج: ص:  >  >>