للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذه الله بعد موتها} [البقرة: ٢٥٩]، والمعنى: كيف يحييها بعد موتها، وقوله: {قال رب أني يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر} [آل عمران: ٤٠]، والمعنى: كيف يكون لي غلام وهذه حالي؟

وهي تختلف عن (من أين) و (كيف) لأنها لاشتراكها في أكثر من معنى، قد تحتمل عدة معان في آن واحد، وذلك نحو قوله تعالى: {أني لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون} [الدخان: ١٣ - ١٤]، فإنها تحتمل أن يراد بها (من أين لهم الذكرى) وتحتمل أن يراد (كيف لهم الذكرى) أي كيف لهم أن يتذكروا؟ أستعبادا لحالتهم عن التذكر، واحسب أن المعنيين مرادان، فإنه يراد السؤال عن الموضع الذي تأتي منه الذكري، وعن حالتهم التي هي فيها، وكلاهما استفهام غير حقيقي، ولو قال (من أين لهم الذكرى) أو (كيف لهم الذكرى) أو (كيف لهم الذكرى) لأدي ذلك معنى وحدًا فجاء بـ (أني) ليجمع المعنيين معا.

وهي كذبك في غير الاستفهام، فقد قالوا في قوله تعالى: {نساؤكحرث لكم فأتوا حرثكمأنى شئتم} [البقرة: ٢٢٣]، أنه يحتمل عدة معان، فقد يحتمل أن المراد: من أين شئتم ومتى شئتم (١).

والمراد والله أعلم جميع هذه المعاني، فلك أن تأتي إمرأتك من أين شئت، وكيف شئت، ومتى شئت مادام ذلك لا يخالف شرع الله.

فالغرض من العدول إلى (أنى) توسيع المعنى، وزيادته فبدل أن يكرر عدة تعبيرات لإفادة هذه المعاني جميعها جمعها بلفظ واحد والله أعلم.

ويبدو لي أنها تختلف عن كيف وأين، من ناحية أخرى، هي القوة في الاستفهام وبناؤها اللغوي يوحي بذلك، فالتشديد، الذي فيها والمدة الطويلة التي في آخرها يجرحان ذلك، وقد لوحظ في كثير من الألفاظ في العربية أن بناءها اللغوي مشاكل لمعناها،


(١) الكليات لأبي البقاء ١/ ٣٢٨ طبعة دمشق ٩٧٤ منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي

<<  <  ج: ص:  >  >>