للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: {واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا}، فإنه إنما قال ذلك ولم يقل: فإذا أبصار الذين كفروا شاخصة لأمرين:

أحدهما: تخصيص الأبصار بالشخوص دون غيرها. أما الأول فلو قال: فإذا الأبصار الذين كفروا شاخصة لجاز أن يضع موضع شاخصة غيره فيقول: حائرة أو مطموسة أو غير ذلك فلما قدم الضمير أختص الشخوص بهم دون غيرهم. دل عليه بتقديم الضمير أولا ثم بصاحبه ثانيا" (١).

وجاء في (الطراز): "ومن رائق ذلك وبديعه قوله تعالى: {واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا} فإنما قدمه ولم يقل (أبصار الذين كفروا شاخصة) لأمرين:

أما أولاً: فلأنه إنما قدم الضمير في قوله (هي) ليدل به على أنهم مختصون بالشخوص دون غيرهم من سائر أهل المحشر.

أما ثانيا: فلأنه إذا قدم الخبر، أفادر إن الأبصار مختصة بالشخوص من سائر صفاتها من كونها حائرة، أو مطموسة أو مزورة إلى غير ذلك من صفات العذاب" (٢).

ومن هذا الباب قوله تعالى: {وظنوا أنهم مانعتهم حضونهم من الله} [الحشر: ٢]، فقد قام الخبر (مانعتهم) على المبتدأ (حصونهم) لنحو هذا الغرض. جاء في (المثل السائر): في هذه الآية: "فأنه إنما قال ذلك ولم يقل: وظنوا أن حصونهم تمنعهم أو مانعتهم لأن في تقديم الخبر الذي هو (مانعتهم) على المبتدأ الذي هو (حصونهم) دليلا على فرط اعتقادهم في حصانتها وزيادة وثوقهم بمنعها أياهم. وفي تصويب ضميرهم اسما لأن إسناد الجملة إليه دليل على تقديرهم في أنفسهم أنهم في عزة وأمتناع لا يبالي معها بقصد قاصد ولا تعرض متعرض. وليس شيء من ذلك في قولك: وظنوا أن حصونهم مانعتهم من الله " (٣).


(١) المثل السائر ٢/ ٤٣، وانظر البرهان ٣/ ٣٧٦
(٢) الطراز ٢/ ٩٦
(٣) المثل السائر ٢/ ٤١، وانظر تفسير الكشاف ٣/ ٢١٣

<<  <  ج: ص:  >  >>