للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكره على تقادم العهد، ولا تسكن نفسك ولا تطفيء ما في جوانحك من نار التعلق به.

وهو أنسب فعل في هذا المقام لا يسد مسده مازال أو ما برح أو غيرهما وهو الموضع الوحيد الذي جاء فيه هذا الفعل في القرآن.

ثمة فرق بين قولنا (لا تزال تذكر) و (لا تفتأ تذكر) فلا تفتأ معناه لا تنسى، ولا تسكن نفسك، ولا تطفيء نار جوانحك، كما تقول أن الهوى بين جنبي لا يسكن والنار لا تنطفيء.

ما أنفك: يقال فك الشيء أي فصله والرهن خلصه والرقة أعتقها، والفك أن نفك الخلخال والرقبة. وفك الرقبة تخليصها من أسار الرق، وفك الرهن تخليصه من غلق الرهن. وفي النوادر: أفك الظبي من الحبالة إذا وقع فيه ثم انفلت. وكل مشتبكين فصلت أحدهما من الآخر فقد فككتهما (١).

هو هذا الأصل في استعمال (فك) فهو من فك القيود والتخليص من الأسار والحبائل فإذا قلت: (ما أنفك) كان المعنى لم يخلص ولم ينفصل، ومن هنا استعملت في معنى الدوام والاستمرار.

فإذا قلت: (ما أنفك محمد يفعل) كان معناه أنه لا يزال متصلا بالفعل متشبثًا به مرتبطًا به بقيد مغلق لم ينفك، جاء في (شرح ابن يعيش): "وأما أنفك من قولهم (ما أنفك يفعل) فهي أيضا بمعنى زال من قولك فككت الشيء من الشيء إذا خلصته منه، وكل مشتبكين فصلت أحدهما من الآخر فقد فككتهما، وفك الرقبة اعتقها ثم جردت من الدلالة على الحدث ثم أدخلت على المبتدأ والخبر كما فعل بكان" (٢).

وجاء في (الكشاف) في قوله تعالى: {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة} [البينة: ١]، "وانفكاك الشيء من الشيء أن يزايله بعد التحامهبه كالعظم إذا أنفك من مفصله، والمعنى أنهم متشبثون بدينهم لا يتركونه إلا عند مجيء البينة" (٣).


(١) لسان العرب فكك، القاموس المحيط فك، الأشموني ١/ ٢٣٦
(٢) ابن يعيش ٧/ ١٠٨ - ١٠٩
(٣) الكشاف ٣/ ٣٥٢

<<  <  ج: ص:  >  >>