وهي في ذلك تلتقي مع سائر الأحرف المصدرية، فإن من أهم وظائف الحرف المصدري أن يوقع الجملة موقع المفرد، ثم إن الحرف المصدري يجعل ما بعده في حكم المصدر (١)، والمصدر معنى ذهني غير متشخص فـ (أن) على هذا تجعل الأمر معنويًا ذهنيا، فثمة فرق بين قولك: أرى محمدًا واقفًا وأرى أن محمدًا واقف، فالأول موقف متشخص ورأى بصرية، والثاني موقف عقلي ورأي عقلية، أي أرى أنه فاعل ذلك وأحبسه.
ونحو ذلك قوله تعالى:{ألم تر أن الله خلق السماوات والأرض بالحق}[إبراهيم: ١٦]، فهذه رؤية بالتدبر والتفكر، ونحوه قوله تعالى:{ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره}[الحج: ٦٥].
فهذه كلها رؤية بالتدبر والتفكر وأظنك ترى الفرق واضحا بين ما ذكرت من الآيات ونحو قوله تعالى {أرنا الله جهرة}[النساء: ١٥٣]، و {حتى نرى الله جهرة}[البقرة: ٥٥]، و {أو نرى ربنا}[الفرقان: ٢١]، وقوله:{قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني}[الأعراف: ١٤٣].
ولم يرد فعل الرؤية في القرآن الكريم معجي إلى اسم الله تعالى في غير هذه المواطن التي ذكرتها، وأنت ترى الفرق واضحا بين المعنيين والقصدين فـ (أن) كما ذكرت تحول الأمر إلى ذهني. وأنت تلاحظ الفرق جليا بين قولنا (سمعتك تقول الشعر) و (سمعت أنك تقول الشعر) ففي العبارة الأولى أنت سمعته هو يقول الشعر، وأما في الثانية فهو قد سمع هذا الأمر عنك ولم يسمعك تقوله.
فـ (أن) إذن تحول المحسوس إلى معقول، والمتشخص إلى ذهني، ولذا يصح أن تقول:(ظننت محمدًا إنه عاقل) ولا يصح أن تقول (ظننت محمدًا أنه عاقل) بالفتح، فإنه لا يخبر بالذهني عن المتشخص، فإن المعني يكون منزلة ظننت محمدًا عاقلا، وهذا لا يصح.
(١) أقول في حكم المصدر ولا أقول (مصدرا) لأنه قد يصعب التأويل في بعض المواطن إلا بتكلف