مختصرًا والعطف أفرادي، فلم عدل إلى الرفع وجعل الكلام جملتين؟ وهل يمتاز بفائدة على النصب والعطف الإفرادي.؟
ويجاب عن هذا السؤال بأنه لو نصبه وعطفه لم يكن فيه إفهام خصوصية لهذا الصنف لأن الأصناف كلها معطوف بعضها على بعض، عطف المفردات وهذا الصنف من جملتها والخبر عنها واحدًا، وأما الرفع فينقطع عن العطف الإفرادي وتبقى بقية الأصناف مخصصة بالخبر المعطوف به، ويكون خبر هذا الصنف المنفرد بمعزل تقديره مثلا (والصابئون كذلك) فيجيء كأنه مقيس على بقية الأصناف، وملحق بها وهو بهذه المثابة لأنه لما استقر بعد الأصناف من قبول التوبة فكانوا أحقاء بجعلهم تبعا وفرعا مشبهين بمن هم أقعد منهم بهذا الخبر" (١).
والذي يبدو لي في هذا الأمر أن ثمة فرقًا في المعنى بين الرفع والنصب، فإن العطف بالنصب على تقدير إرادة (إن) والعطف بالرفع يكون على غير إرادة (أن)، ومعنى هذا أن العطف بالرفع غير مؤكد، فعلى هذا يكون المعطوف في قولك (إن محمدا مسافر وخالدا) مؤكدا، بخلاف ما لو قلت (إن محمدا مسافر وخالد) فإن المعطوف غير مؤكد. وهذا شبيه بما مر في قولنا (ليس محمد بجبان ولا بخيل، ولا بخيلا) في بحث (ليس والمشبهات بها).
وهذا المعنى حام حوله النحاة ولم يذكروه صراحة فهم حين يقولون أنه معطوف على اسم (إن) قبل دخولها، يعنون إنه معطوف على غير إرادة التوكيد، أي أن المعطوف عليه مؤكد بخلاف المعطوف، وقد رأيت قبل قليل في كلام المفسرين في قوله تعالى:{إن الذين أمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين} ما يشير إلى أن كلمة (الصابئون) خولف حكمها عن أخواتها، لأن هذه الفرقة أبعد ضلالا من الآخرين، فجاءت أقل توكيدا من أخواتها.