للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإثباته لغيره، أي ليس لك عاصم وإنما هو لغيرك، جاء في (الكشاف) في قوله تعالى: {لا ريب فيه}: " فإن قلت: فهلا قدم الظرف على الريب كما قدم على الغول في قوله (لا فيها غول)؟ قلت: لأن القصد في إيلاء الريب حرف النفي نفي الريب عنه، وإثبات أنه حق وصدق، لا باطل وكذب كما كان المشركون يدعونه، ولو أولى الظرف لقصد إلى ما يبعد عن المراد وهو أن كتابًا آخر فيه الريب لا فيه كما قصد في قوله (لا فيها غول) تفضيل خمر الجنة على خمور الدنيا، بأنها لا تغتال العقول كما تغتالها هي كأنه قيل: ليس فيها ما في غيرها من هذا العيب والنقيصة" (١).

وجاء في (البرهان): " إذا قلنا: (لا عيب في الدار) كان معناه نفي العيب في الدار، وإذا قلنا (لا في الدار عيب) كان معناه أنها تفضل على غيرها بعدم العيب" (٢).

وتقول: (لا ضعف فيك) والمعنى أنك نفيت عنه الضعف ولم تثبته لغيره. فإن قلت: (لا فيك ضعف ولا خور) كان المعنى أنك نفيت عنه الضعف، وأثبته لشخص آخر معرضا بذلك الشخص.

فإن أردت التنصيص على الجنس مع التقديم جئت بما ومن كقوله تعالى {يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم} [غافر: ٣٣]، فإنه نفي العاصم لهم وأثبته لغيرهم ممن آمن بالرسل، قال تعالى: {استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله مالكم من ملجأ يومئذ وما لكم من نكير} [الشورى: ٤٧]، فأنت ترى أنه نفي أولاً بـ (لا) نفيا عامًا (لا مرد له من الله)، ثم قدم الخبر، ونفي بما (مالكم من ملجأ يومئذ ومالكم من نكير) وذلك أنه أراد نفي الملجأ لهم وإثباته لغيرهم، أي ليس لكم الملجأ وإنما لغيركم فقدم الجار والمجرور للتخصيص، وذلك كما تقول: (ما مررت بمحمد) و (ما محمد مررت) فأنت في الأولى نفيت المرور بمحمد، ولم تثبته لغيره، وفي الثانية نفيت المرور بمحمد وأثبته لغيره أي أنني لم أمر بمحمد ولكني مررت بغيره ولا يقال ذلك بـ (لا) مع إرادة التنصيص على الجنس.


(١) الكشاف ١/ ٨٧ - ٨٨
(٢) البرهان ٣/ ٢٣٧

<<  <  ج: ص:  >  >>