وهذا وهم ظاهر فيما يبدو، لأن ما بعده الأداة مرتبط ارتباطا وثيقا بما قبله، وليس مستقلا عنه وإنك لو فصلته عنه لتفكك الكلام، وما استفهام، ففي قوله تعالى مثلا {فلينظر أيها أزكي طعامًا}[الكهف: ١٩]، جملة (أيها أزكي طعامًا) مرتبطة ارتباطا تاما بقوله (فلينظر) وإن قطعتها عنه لم تجد المعنى يستقيم، فماذا ينظر، إذا لم يكن القصد ربط النظر بالطعام؟
وكذلك قوله تعالى:{سيعلمون غدا من الكذاب الأشر}[القمر: ٢٦]، فقوله (من الكذاب)، مرتبط ارتباطا كلاما بقوله (سيعلمون) وإلا فماذا سيعلمون؟
ومما يدل على ارتباط ما قبل الأداة بما بعدها، جواز العطف على محل الجملة المعلقة، كما في قول كثير:
وما كنت أدري قبل عزة ما البكا ... ولا موجعات القلب حتى تولت
فقوله (موجعات القلب) عطف على محل (ما البكا)، ولذلك انتصب وهو دلالة قاطعة على ارتباط المعلق بالفعل، وإلا لم ينتصب المعطوف.
قال الأستاذ: محمد أحمد عرفة: " ولو تأملت ما بين أيدينا من أمثلة التعليق في كلام الله عز وجل، وكلام العرب، لوجدت النظم يقتضي من جهة المعنى أن يكون الفعل متعلقا بما قبله، وأن يكون ما بعد أدوات التعليق متعلقا بالفعل، فيكون تاليا في المعنى كما هو تال في اللفظ ولا يجوز أن يكون مبتدأ به عن استقلال.
قال الله تعالى:{فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا. ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا}[الكهف: ١١ - ١٢].
ففي الآية أداة من أدوات التعليق وهي (أي) علقت (نعلم) عن العمل، ومساق النظم يقتضي أن تكون (أي الحزبين أحصى) متعلقة بنعلم، متأخرة عنها في المعنى، ولا يجوز أن تكون مستقلة عنها، مبتدأ بها في المعنى، ذاك لأنه بدأ فذكر أنه أنامهم سنين، ثم بعثهم لعلة وهي أن يعلم، وماذا يعلم؟ يعلم شيئا خاصًا وهو: من منهم أحصى أمدا لما لبثوا؟