للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن القيم: " وعندي فيه جواب أحسن من هذا إن شاء الله، وهو أن الصيحة يراد بها لمصدر بمعنى الصياح، فيحسن فيها التذكير، ويراد بها الواحدة من المصدر فيكون التأنيث أحسن.

وقد أخبر تعالى عن العذاب الذي أصاب به قوم شعيب بثلاثة أمور كلها مؤنثة في اللفظ: أحدها الرجفة في قوله في (الأعراف): {فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين} [الأعراف: ٧٨] (١) ".

الثاني: الظلة: {فأخذهم عذاب الظلة} [الشعراء: ١٨٩].

الثالث: الصيحة: {وأخذت الذين ظلموا الصيحة} وجمع لهم بين الثلاثة فإن الرجفة بدأت بهم فاصحروا إلى الفضاء خوفا من سقوط الأبنية عليهم فصهرتهم الشمس بحرها، ورفعت لهم الظلة فأهرعوا إليها يستظلون بها من الشمس، فنزل عليهم من العذاب وفيه الصيحة، فكان ذكر الصيحة مع الرجفة والظلة أحسن من ذكر الصياح، وكأن ذكر التاء والله أعلم (٢).

قال أبو البقاء: " وقد يترجح أحد المتساويين في نفس الأمر مع جواز الآخر كما في قوله تعالى: {قالت الأعراب آمنا} [الحجرات: ١٤]، {وقال نسوة في المدينة} [يوسف: ٣٠]، تنزيلا لهم منزلة الإناث في نقصان العقل إذ لو كملت عقولهم لدخل الإيمان في قلوبهم، ألا ترى ان النسوة لما وصفوا زليخا بالضلال المبين، وذلك من شأن العقل التام نزلن الذكور (٣) ".

وذكر الفراء أن تذكير الفعل في قوله تعالى: {وقال نسوة} ونحوه يدل على القلة بخلاف التأنيث. قال: " {وقال نسوة في المدينة} [يوسف: ٣٠]، فذكر الفعل لقلة النسوة .. ومنه قوله: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم} [التوبة: ٥]، ولم يقل انسلخت


(١) والصواب (في درهم).
(٢) بدائع الفوائد ١/ ١٢٦، وانظر البرهان ٣/ ٣٦٨، تسهيل السبيل
(٣) الكليات ٣٢٨

<<  <  ج: ص:  >  >>