للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١ - فالغرض من الاختصاص كما أوضحنا توضيح الضمير المتقدم، وتبيينه، وتمييزه، من غير أما النداء فإنه طلب الإقبال بحرف النداء، فأنت حين تقول (نحن العرب أقري الناس ضيفا)، لا تنادي العرب إنما تبين بذكرهم الضمير (نحن)، وكذلك حين تقول (علي خالد يعتمد) لم تناد نفسك، وإنما أوضحت الضير المتقدم، ولذلك لا يؤتى بـ (يا النداء) في الاختصص، لأنه ليس لغرض أن تنبه أحدا وتدعوه إليك، قال ابن يعيش: " والفرق بين هذا الاختصاص واختصاصا النداء، أنك في النداء تختص واحدا من الجماعة ليعطف عليك، عند توهم غفلة عنك، وفي هذا الباب تختصه بفعل يعمل فيه النصب، تقصد به الاختصاص على سبيل الافتخار، والتفصيل له، والاسم المنصوب في هذا الباب لابد أن يتقدم ذكره (١).

وجاء في (المقتضب): "اللهم اغفر لنا أيتها العصابة فأجروا حرف النداء على العصابة، وليست مدعوة لأن فيها الاختصاص الذي في النداء، وإنما حق النداء أن تعطف به المخاطب عليك ثم تخبره أو تأمره، أو تسأله، أو غير ذلك مما توقعه إليه، فهو مختص من غيره في قولك يا زيد ويا رجال.

فإذا قلت: اللهم اغفر لنا أيتها العصابة، فأنت لم تدع العصابة ولكنك اختصصتها من غيرها كما تختص المدعو فجرى عليها اسم النداء، أعني (أيها) لمساواتها إياه في الاختصاص .. وعلى هذا تقول: على المضارب الوضعية أيها الرجل، ولا يجوز أن تقول يا أيها الرجل، ولا يا أيتها العصابة لأنك لا تنبه إنسانا، إنما تختص، و (يا) إنما هي زجر وتنبيه (٢) ".

أما قول الأخفش انه لا ينكر أن ينادي نفسه كقول عمر (كل الناس أفقه منك يا عمر) فهذا صحيح فإن الإنسان قد يجرد من شخصه شخصا آخر فيخاطبه، كأن يقول الإنسان مخاطبا نفسه: يا نفس لما فعلت كذا وكذا؟ وماذا حملك على هذا يا فلان؟ فهذا نداء وليس الغرض منه توضيح الضمير، وتمييزه من غيره، فإنه يخاطب نفسه فلا يحتاج إلى إيضاح، وليس هناك موطن إبهام بخلاف الاختصاص فإنه يخاطب غيره موضحا نفسه.


(١) ابن يعيش ٢/ ١٨
(٢) المقتضب ٣/ ٢٩٨ - ٢٩٩

<<  <  ج: ص:  >  >>