وهذا التقدير دعت إليه صنعة الإعراب لأن كل منصوب، لابد له من ناصب عند النحاة ولما لم يجدوا ناصبا للاسم المتقدم، اضطروا إلى التقدير.
إن التقديم الذي ذهب إليه النحاة في هذا الباب مفسد للمعنى، مفسد للجملة فإن الجملة تتمزق، وتنحل بتقديرنا (أكرمت خالدا أكرمته)، و (سررت خالدا أحببت رجلا يحبه) وبنحو ذلك من التقديرات.
وما ذهب إليه الفراء مقبول في نحو (خالدا أكرمته) غير مقبول، في نحو (خالدا سلمت عليه) و (محمدا خطت قميصا له) وكذلك ما ذهب إليه الكسائي.
فتقدير الجمهور متمش مع الصنعة الإعرابية إلا أنه مفسد للمعنى، مفسد للجملة وما ذهب إليه الفراء والكسائي مفسد للصنعة الإعرابية ولا يستقيم في كثير من التعبيرات.
ونحن هنا لا تعنينا تقديرات النحاة واختلافاتها، وإنما الذي يعنينا هو المعنى وإنما ذكرت هذه التقديرات، لأنها تترتب عليها أمور ذات علاقة بالمعنى - كما سنرى -.
وحقيقة الأمر فيما نرى أنه ليس ثمة اشتغال ولا مشغول عنه بهذا المعنى، وإنما هو اسلوب خاص يؤدي غرضا معينا في اللغة ومما يدل على ذلك قولهم (محمدا سلمت عليه) و (خالدا أكرمت أخاه) و (سعيد انطلقت مع أخيه) فأي اشتغال في هذا الأمر؟ وهل يمكن تسليط الفعل على الاسم المنصوب المتقدم فإن الفعل قد يكون لازما كما نرى.
وأما على رأي الكسائي والفراء فليس ثمة اشتغال أصلا، وإذا كان نرغب في الابقاء على اصطلاح الاشتغال والمشغول عنه فإنا نقصد به معنى آخر سنذكره، لا ما ذكره القوم.
أما فيما يخص الإعراب فإنه يمكن أن يعرب الاسم المتقدم مشغولا عنه منصوبا ولا داعي لأنه نذكر له ناصبا لأن التقديم الناصب مبني على نظرية العامل التي لا موجب لها، فإنه يمكن أن يقال أن الفاعل، في العربية مرفوع، والمفعول به منصوب، والمبتدا مرفوع والمشغول عنه منصوب، وهكذا ولا داعي للسؤال عن العامل الذي أحدث هذا وإذا كان لابد من الجواب، فالعرب هم الذين فعلوا هذا وأحدثوه.