للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتقول (ما جائت إلا طلبا للعلم) فلا يصح وضع (غير) ههنا لأن المفعول له، لا يكون إلا مصدرا و (غير) ليست مصدرا.

وعلى أي حال ففي الأكثر أن تقع في مواقع (إلا).

إن غيرا وإن دخلت معنى الاستثناء، قد تحمل معها معناها الخاص بها أحيانا، فلا تطابق (إلا) تماما فقولك (ما قام إلا محمد) و (ما قام غير محمد) ليسا متطابقين في المعنى تماما، فإنك في الجملة الأولى أثبت القيام لمحمد وحده، ونفيته عمن عداه، وأما الثانية فتحتمل هذا المعنى وتحتمل معنى آخر، وهو أن (غير محمد لم يقم) فيكون نفي القيام عن غير محمد وسكت عن محمد.

ومعنى ذلك أن ما بعد (إلا) هو المقصود بالاستثناء، وهو الذي يدور عليه الحكم أما في (غير) فإن الكلام قد يدور على ما بعد غير، وقد يدور على (غير) نفسها، لا على المجرور بها، فقوله تعالى مثلا: {وما أضلنا إلا المجرون} [الشعراء: ٩٩]، معناه أن المجرمين هم الذين أضلوهم، ولو قال (وما أضلنا غير المجرمين) لاحتمل المعنى السابق ولاحتمل معنى آخر، وهو أن غير المجرمين لم يضلونا أي نفي الضلال عن غير المجرمين أما بالنسبة إلى المجرمين فلم يتعرض لهم. وكقوله تعالى: {ولا تزد الظالمين إلا ضلالا} [نوح: ٢٤]، فإنه طلب أن يزيدهم الضلال ولا يزيدهم شيئا آخر غير الضلال ولو قال: (ولا تزد الظالمين غير ضلال) لاحتل أن يكون المعنى كالمعنى السابق ولاحتمل معنى آخر وهو أنه طلب إلا يزيديهم غير الضلال أما الضلا فمسكوت عنه.

ونحوه أن تقول (لا يدخل الجنة إلا المسلم) وأن تقول (لا يدخل الجنة غير المسلم) فالجملة الثانية قد تكون بمعنى الأولى، وقد تكون لمعنى آخر، وهو أن غير المسلم لا يدخل الجنة، وليس في هذا المعنى حصر، ومثله قوله تعالى: {ولا تقولوا على الله إلا الحق} [النساء: ١٧١]، وقولك (ولا تقولوا على الله غير الحق) فالثانية قد تكون بمعنى الأولى، وقد تكون لمعنى آخر وهو النهي عن قول غير الحق، أما الحق فمسكوت عنه وهو كما تقول: إن لم تقل الحق فلا تقل غير الحق، أي اسكت.

<<  <  ج: ص:  >  >>