للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إن (غيرا) من المغايرة و (سوى) من المساواة كما هو ظاهر من لفظها، فقولهم (مكان سوى) معناه مكان مستو، أي متساو ليس بعضه أعلى من بعض.

ويكون (سوى) بمعنى العدل ومنه قولهم: هذا يساوي درهما، أي يعادل قيمته درهما (١). وهذا يساوي ذلك. فإذا قلت (مررت برجال سوى سعيد) كان المعنى أنهم يسدون ويقومون مقامه، أي يساوونه.

جاء في (المقتضب): " أنك إذا قلت (عندي رجل سوى زيد)، فمعناه عندي رجل مكان زيد، أي يسد مسده ويغني غناءه " (٢) فسوف تختلف عن غير. إن قولك جاءني رجل غير زيد، يختلف عن جاءني رجل سوى زيد، في أصل المعنى، وذلك أن معنى الأولى: جاءني رجل ليس زيدا، أي مغايرا لزيد، ومعنى الثانية: جاءني رجل مساو لزيد، أي يقوم مقامه ويغني غناءه، ثم دخلها معنى المغايرة، لأن في (سوى) مغايرة من وجه، وذلك أن قولك (مررت برجل سوى زيد) معناه برجل غير رجل.

إلا أنه يماثله فهو رجل آخر غير زيد، فهما متشابهان من وجه، مختلفان من وجه آخر ثم دخلهما معنى الاستثناء.

ولذا كان الراجح عندنا أنها تكون ظرفا، وغير ظرف، وليس أصلها أن تكون ظرفا بل معنى الظرفية منقول إليها، وذلك أن قولك (جاءني رجل سوى زيد) معناه يقوم مقامه ويسد مسده، ويكون مكانه وبدله، ومن هنا دخلها معنى الظرفية.

كما أنه ليس الكثير فيها أن تقع ظرفا، بل الكثير فيها أن تقع غير ظرف، وقد تقع ظرفا، وتقع استثناء وغير استثناء من دون النظر إلى معنى المساواة الذي هو أصل معناها، بل انمحى عنها معنى المساواة وبقي فيها معنى المغايرة، وهذا كثير في اللغة فقط تنمحي عن الكلة دلالتها الأولى، ويبقي ملازمها أو جانب من جوانب المعنى فقط،


(١) انظر تاج العروس ١٠/ ١٨٨
(٢) المقتضب ٤/ ٣٤٩

<<  <  ج: ص:  >  >>