للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البيت نارا) فيكون المعنى أن النار قد وقعت فيه وقوع الشمول، وأنها قد استولت عليه وأخذت في طرفيه ووسطه، وتقول: (اشتعلت النار في البيت) فلا يفيد ذلك بل يقتضي أكثر من وقوعها فيه وإصابتها جانبا منها، فأما الشمول وأن تكون قد استولت على البيت وابتزته فلا يعقل من اللفظ البتة.

ونظير هذا في التنزيل قوله عز وجل: {وفجرنا الأرض عيونا} [النجم: ١٢]، التفجير للعيون في المعنى أوقع على الأرض في اللفظ، كما أسند هناك الاشتعال إلى الرأس. وقد حصل بذلك من معنى الشمول ههنا مثل الذي حصل هناك، وأنه قد أفاد أن الأرض قد كانت صارت عيونا كلها، وأن الماء قد كان يفور من كل مكان منها، ولو أجرى اللفظ على ظاهرة فقيل: وفجرنا عيون الأرض أو العيون في الأرض لم يفد ذلك ولم يدل عليه ولكان المفهوم منه أن الماء قد كان فار من عيون متفرقة في الأرض، وتبجس من أماكن منها" (١).

ومثله نحو (طاب محمد نفسا) و (حسن أخوك خلقا، وهو قريب من معنى الأولى في إفادة الشمول، فهناك فرق بين قولك (طابت نفس محمد) و (طابت محمد نفسا) ففي الأول اسندت الطيب إلى النفس مباشرة، وفي الثانية أسندته إلى محمد كله ثم خصصت النفس بالذكر فقد مدحته مرتين، مدحته كله بقولك (طاب محمد) ويدخل في ذلك نفسه، ثم خصصت النفس بالذكر فكنت تمدحه مرتين جاء في (شرح ابن يعيش) في نحو طاب زيد نفسا وتصبب عرقا، وتفقأ شحما أنه " لا يوصف زيد بالطيب، والتصبب والتفقؤ فعلم بذلك أن المراد المجاز، وذلك أنه في الحقيقة لشيء من سببه، وإنما أسند إليه مبالغة وتأكيدًا، ومعنى المبالغة أن الفعل كان مسندًا إلى جزء منه فصار مسندًا إلى الجميع، وهو أبلغ في المعنى، والتأكيد أنه لما كان يفهم منه السناد إلى ما هو أن تطيب نفسه بأن تنبسط ولا تنقبض، وأن يطيب لسانه بأن يعذب كلامه، وأن يطيب قلبه بأن


(١) دلائل الإعجاز ٨٠، وانظر الكشاف ٣/ ١٨٣، قوله تعالى: {وفجرنا الأرض عيونا}.

<<  <  ج: ص:  >  >>