وجاء في (الخصائص) في (باب استعمال الحروف بعضها مكان بعض): " وذلك أنهم يقولون إن (إلى) تكون بمعنى (مع) ويحتجون لذلك بقول الله سبحانه: {من أنصاري إلى الله}[الصف: ١٤]، أي: مع الله، ويقولون إن (في) تكون بمعنى (على) يحتجون بقوله عز اسمه: {ولأصلبنكم في جذوع النخل}[طه: ٧١]، أي عليها .. وغير ذلك مما يوردونه.
ولسنا ندفع أن يكون ذلك كما قالوا، لكنا نقول: إنه يكون بمعناه في موضع دون موضع على حسب الأحوال الداعية إليه والمسوغة له، فأما في كل موضع، وعلى كل حال فلا. ألا ترى أنك إن أخذت بظاهر هذا القول غفلا، هكذا لا مقيدًا لزمك عليه أن تقول (سرت إلى زيد) وأنت تريد معه، وأن تقول:(زيد في الفرس) وأنت تريد عليه، و (زيد في عمرو) وأنت تريد عليه في العداوة، وأن تقول:(رويت الحديث بزيد) وأنت تريد عنه ونحو ذلك مما يطول ويتفاحش" (١).
فالأمر كما ذكره ابن جني وكما أوضحناه، ليس المقصود به النيابة المطلقة.
وهذا كله في الكلام الفصيح.
غير أن هذا بعض اختلاف في الكلام الذي يتعمله صاحبه، ويتفنن فيه، فإنه في الكلام الفني قد يختار المتكلم حرفا على حرف، أو لفظًا على لفظ، لأداء معنى معين، أو لدلالة معينة، وربما لم يستعمل الحرفين في معنى واحد، كما يستعمل المتحدثون في أمورهم اليومية، أو قد يكون المعنى الذي يستعمله في حرفٍ، مختلفا عن مشابهه الذي يستعل في حرف آخر، فالظرفية التي يستعملها بالباء تختلف عن الظرفية التي يستعملها بـ (في) والتعليل الذي يستعمله باللام، يختلف عن التعليل الذي يستعمله بالياء، وهكذا.