للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهو أولى من الرأي الأول، فإن هناك فرقًا بين قولك: كأنني في الناس مطلي به القار أجرب)، وقولك (كأنني إلى الناس مطلي به القار أجرب) فـ (في) لا تدل إلا على أنه بينهم على هذه الحال، أما الثانية فمعناها أنني أبدو إليهم كأنني كذلك، وينظرون إلى كأنني كذلك، ففيها معنى النفرة. فأنت تقول (هي فيهن فحمة) بمعنى أنها بينهن كالفحمة وليس فيه أنهن يبغضنها، فإذا قلت: (هي إليهن فحمة) كان المعنى أنها تبدو لهن كالفحمة، أي يرينها غير جميلة، أو بمعنى أنها بالنسبة إليهن كالفحمة، أي إذا قيست إليهن كانت كالفحمة، وكذلك قولك (هي إليه شمس) أي تبدو إليه كذلك أي يراها جميلة أو على معنى أنها إذا قيست إليه كانت كالشمس.

قيل وقد تأتي بمعنى (من) كقوله:

تقول وقد عاليت بالكور فوقها ... أيسقي فلا يروى لي ابن أحمرا

أي مني (١).

وقيل بل المعنى (فلا يروى طوؤه إليّ) (٢). أي يبقى ظامئا إليها فلا يروى، وهو أولى وذلك أنك تقول (هو لا يروى من هذا الماء) أي أنه لا يرويه بمعنى أنه مهما شرب منه فلا يزال غير مرتو. أما قولك (ولا يروى إلى هذا الماء) ففيه معنى الشوق إليه، تقول (هو لا يروي من ماء البحر) بمعنى أن ماء البحر لا يروى الظمآن، وأنه كلما شرب منه إزداد ظمأ وطلبا للماء، ولا تقول (هو لا يروى إلى ماء البحر) لأن المعنى عند ذاك يكون: هو لهِفٌ إلى هذا الماء متشوق إليه، لا ينقطع ظمؤه إليه ولا لهفته له.

وأصل المعنى هو الانتهاء، تقول (ملت إليه) و (ملت منه) ففي الأول يكون المعنى نهاية الميل إليه أي أحببته، وتقول (ملت إلى هذا المكان) أي عرجت عليه.

أما (ملت منه) فمعناه أن مبتدأ الميل كان منه، وملت عنه أي انحرفت عنه


(١) المغني ١/ ٧٥
(٢) شرح الدماميني على المغنى ١/ ١٦٣

<<  <  ج: ص:  >  >>