للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والتفسير بيني وبين رؤيته هذا المقدار، فكل موضع يرتفع فيه ما بعدها فهذا معناه.

وأما الموضع الذي ينخفض ما بعدها فإن تقع في معنى (في) ونحوها، فيكون حرف خفض، وذلك قولك (أنت عندي مذ اليوم) ومذ الليلة، وأنا أراك مذ اليوم يا فتى، لأن المعنى في اليوم أو في الليلة، وليس المعنى أن بيني وبين رؤيتك مسافة، وكذلك: رأيت زيدا مذ يوم الجمعة يمدحك، وأنا أراك مذ سنة تتكلم في حاجة زيد لأنك تريد: أنا في حال رؤيتك مذ سنة، فإن أردت رأيتك مذ سنة، أي غاية المسافة إلى هذه الرؤية سنة، رفعت، لأنك لو قلت رأيتك، ثم قلت: بيني وبين ذلك سنة، فالمعنى أنك رأيته ثم غبرت سنة لا تراه.

وإذا قال: أنا أراك مذ سنة، فإنما المعنى أنك في حال رؤية لم تنقض، وأن أولها مذ سنة، فلذلك قلت: أراك، لأنك تخبر عن حال لم تنقطع (١).

ومن هذا يتبين أن هناك فرقًا في المعنى بين الرفع والجر في (مذ) عند أكثر العرب فهي إذا جرت كانت للحاضر، وإذا رفع ما بعدها كانت للمضي، فقولك (أنا أمشى في حاجتك منذ شهر) بالجر، معناه أنك لا تزال تمشي، وقولك (مشيت في حاجتك مذ) شهر بالرفع، معناه أنك مشيت من ذلك الحين، وانقطعت عن المشيز

وكذلك قولك: (أنا مكرمه مذ شهر) بالجر، معناه أنك لا تزال تكرمه، وقولك (أنا مكرمه منذ شهرٌ) بالرفع معناه أنك أكرمته، في ذلك الوقت وانقطع الإكرام.

ونحوه أن تقول: (هو مُعانٌ مذ سنةٍ) بالجر و (هو مُعانٌ مذ سنةٌ) بالرفع، فمعنى الجر أنه لا يزال يُعان مذ سنة، ومعنى الرفع أنه أعين منذ سنة ثم انقطعت الإعانة.

قالوا وهذان الحرفان لابتداء الغاية، بمعنى (من) إذا كان الزمان ماضيا نحو: (ما رأيته منذ يوم الخميس) وبمعنى (في) إذا كان الزمان حاضرًا، نحو: ما رأيته منذ يومنا، وبمعنى (من) و (إلى) جميعا إن كان معدودا، نحو (ما رأيته منذ ثلاثة أيام) (٢).


(١) المقتضب ٣/ ٣٠
(٢) المغنى ١/ ٣٣٥

<<  <  ج: ص:  >  >>