للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقدم التنبيه لأنه تحذير لعباده المؤمنين على ما هم فيه، وأنهم ينبغي لهم أن يحذروا وينتبهوا.

وقال: {ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم} فأخر التنبيه لأنه أراد أن يحضر أنفسهم أمام أعينهم هم ليشهدوا أعمالهم وصفاتهم، أي أنتم هؤلاء المشاهدون الحاضرون، بصورتكم الواضحة البينة التي لا تخفي، فهو لم يرد تخذيرهم من أمر كما كان في الآية الأولى. فالتنبيه في الأولى لتنبيه المؤمنين ولفت انتباهم إلى أمر قد يكونون غافلين عنه وأما الثانية فلا حضار صورتهم أمام أعينهم ليشاهدوها.

وقد يتكرر التنبيه إذا استدعى الأمر زيادة التنبيه فيقال: ها أنت هذا تفعل كذا، وكذا إذا أنكرت عليه أنكارا شديدا ما لا يليق به، أو أردت الزيادة في تنبيه على أمر من الأمور وعند النحاة، إن ها التنبيه في نحو إنما كرر توكيدًا. (١)

ومن ذلك قوله تعالى: {يأهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم، والله يعلم وأنت لا تعلمون} [آل عمران: ٦٥ - ٦٦].

فأنت ترى أن يقرعهم ويزيد في تنبيههم ولومهم لأنهم جادلوا بالباطل وهم يعلمون، فكرر التنبيه مرة قبل الضمير ومرة قبل اسم الإشارة فقال: {هأنتم هؤلاء حاججتم}.

ونحوه قوله تعالى: {ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم أذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطًا هأنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يقول عليهم وكيلا} [النساء: ١٠٧ - ١٠٩]، فكرر تنبيههم ولومهم ليتعظوا فلا يقفوا مثل هذا الموقف، وأنت ترى أن الموقف يتطلب الزيادة في تنبههم ووعظهم بخلاف قوله تعالى: {هأنتم أولاء تحبونهم} فإن الموقف لا يحتاج إلى زيادة


(١) انظر الهمع ١/ ٧٦، البحر المحيط ٢/ ٤٨٦، قوله تعالى: (ها أنتم هؤلاء)

<<  <  ج: ص:  >  >>