للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والظاهر صحة رأي الجمهور وذلك أنه هو الذي يشهد له استعمال العرب، فمن ذلك قوله:

لو اعتصمت بنا لم تعتصم بعدا ... بل أولياء كفاة غير أوكال

فلا يصح أن يقال (بل لم تعصم بأولياء) لأنه للفخر، وكذلك قوله:

وما أنتميت إلى خور ولا كشف ... ولا لئام غداة الروع أوزاع

بل ضار بين بحسك البيض أن لحقوا ... شم العرانين عند الموت لذاع (١).

وظاهر أنك إذا أردت المعنى الذي ذكره المبرد كررت العامل، نحو (ما جاءني محمد بل ما جاءني خالد) و (لا تضرب خالدا بل لا تضرب محمدا).

وكذلك يؤدي المعنى الذي ذهب إليه المبرد الاضراب بغير الأداة، وأعني به بدل الاضراب، فإنك إذا قلت (لا تكرم سالما سعدا) كان المعنى أنك نهيت عن اكرام سالم أولا، ثم أضرب عن ذلك فنهيت عن اكرام سعد فصار كأنك قلت: لا تكرم سعدا.

وكذا في النفي، فأنت إذا قلت (ما جاءني محمد خالد) كان المعنى: ما جاء محمد ثم أضربت عن ذلك فقلت: بل ما جاء خالد.

ومما يؤيد ذلك أن البدل على نية تكرار العامل عندهم.

ويجوز ما ذكره المبرد فيما دل عليه دليل نحو (ما محمد كاتبًا بل شاعرا) وذلك أن نصب (شاعر) يدل على أن النفي مكرر، وذلك أن (ما) لا ينتصب الخبر بعدها إذا كان موجبا.

وربما كان المعنى قديما كما ذكر المبرد وذلك أن الأصل أن يكون لكل أداة معنى ثم تطور الاستعمال إلى ما ترى، وتطور الدلالة كثير في اللغة والله أعلم.


(١) انظر شرح ابن الناظم ٢٢٢، الهمع ٢/ ١٣٦

<<  <  ج: ص:  >  >>