[انقسام تعليق الطلاق إلى شرط محض ويمين الطلاق]
قال رحمه الله: [باب تعليق الطلاق].
هذا الباب من المسائل المهمة، وتتعلق بمسألة يكثر وقوعها على ألسنة الناس، وهي مسألة تعليق الطلاق بالشروط، يقول مثلاً: إن ذهبت إلى السوق فأنت طالق، إن دخلت الدار فأنت طالق، إن لم أفعل كذا فامرأتي طالق، فما حكم ذلك؟
و
الجواب
أن تعليق الطلاق بالشروط على قسمين: القسم الأول: تعليق الطلاق بشرط محض.
القسم الثاني: تعليق الطلاق بشرط يجري مجرى اليمين، وهو الذي يسمى بالحلف بالطلاق.
القسم الأول أن يعلق الطلاق بشرط محض يقصد منه إيقاع الطلاق عند حصوله، مثال هذا: قال: يا فلانة إن دخل رمضان فأنت طالق، هنا علق الطلاق بشرط محض، لا تعلق له باليمين هنا، أي: ليس فيه معنى الحث ولا معنى الحض ولا معنى المنع ولا التأكيد، فإذا دخل رمضان طلقت.
هذا رجل آخر يريد أن يطلق ويبحث عن عذر، فقال: يا فلانة إن دخلت إلى دار أبيك فأنت طالق، يريد أن تدخل إلى دار أبيها فتطلق، فهذا شرط محض، لأنه يريد إيقاع الطلاق، فإذا حصل هذا الشرط طلقت، وهذا لا خلاف بين أهل العلم أن الطلاق يقع؛ ولذا جاء عن ابن عمر رضي الله عنه كما في البخاري في رجل قال لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق البتة، قال: إذا دخلت الدار فقد بانت.
القسم الثاني: وهو محل الخلاف بين العلماء، وهو ما يسمى بالحلف بالطلاق، ويسميه بعض الناس بيمين الطلاق، هو أن يعلق الطلاق بشرط وهو لا يقصد إيقاع الطلاق عند حصول هذا الشرط، وإنما يقصد الحث لنفسه أو لامرأته أو لغيرهما أو المنع لنفسه أو لامرأته أو لغيرهما، فهو يقصد الحث أو المنع.
مثال هذا: قال: يا فلانة، إن ذهبت إلى بيت فلان فأنت طالق، يريد منعها من الذهاب، ولا يقصد أن الطلاق يقع.
وقد يريد منع نفسه، كبعض الناس يقول: إن أنا فعلت كذا وكذا فامرأتي طالق.
وقد يكون لبعض الناس، فيقول: يا فلان إن لم تدخل وتتعشى عندنا الليلة وتبيت فامرأتي طالق، وهذا يحصل عند بعض أهل البادية.
أو يقصد الحث: يا فلانة إن لم تطبخي عشاء لضيوفي الليلة فأنت طالق، يريد حثها، إن أنا لم أفعل كذا فامرأتي طالق، يريد حث نفسه.
وهناك فرق بين هذه وبين المسألة السابقة، وجمهور العلماء قالوا: يقع فيها الطلاق، فإذا ذهبت المرأة للسوق طلقت وإذا خالف هو فإنه كذلك تطلق امرأته.
والقول الثاني في المسألة وهو اختيار شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم وهو قول طائفة من السلف وطائفة من الخلف، قالوا: هي يمين فيها كفارة.
واستدلوا أولاً بأنه لا خلاف بين الفقهاء بأن هذه يمين، فالفقهاء بالاتفاق يسمون هذه المسألة بالحلف بالطلاق، ويسمونها بيمين الطلاق، قال شيخ الإسلام: فلا خلاف بين أهل العلم من الفقهاء أن هذه يمين، فدخلت في عموم قوله تعالى في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم:١] إلى قوله: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم:٢].
قال أيضاً: ولأن العبرة بالمقاصد وبالمعاني، فهذه يمين قصد منها الحث أو المنع كما يقصد باليمين التي هي حلف بالله الحث أو المنع، فلا فرق بين الصورتين، والعبرة إنما هي بالمعاني والمقاصد لا بالمباني.
قال أيضاً: وقد جاء في سنن البيهقي عن أبي رافع أن مولاته قالت: هي يوماً يهودية ويوماً نصرانية وعبيدي أحرار كلهم ومالي كله صدقة في سبيل الله وأمشي على قدمي إلى بيت الله إن لم تطلق امرأتك.
قال: فسألت ابن عمر وابن عباس وعائشة وحفصة وأم سلمة فقالوا: هي يمين تكفرها، وهذا يدل على ما تقدم، لأنه ما دام أن ما ذكرته من الصدقة ومن النذر اعتبر يميناً فأولى من ذلك الطلاق الذي لا يحبه الله، فالصدقة التي يحبها الله لم يلزمها الصحابة بإخراجها، والعتق الذي يتشوف إليه الشارع لم يلزمها الصحابة به فالطلاق الذي هو بغيض إلى الرحمن أولى.
وعلى ذلك فالصحيح أن ذلك فيه كفارة يمين، وعلى ذلك فيطعم عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام.
بعض الناس يقول: هل الحلف بالطلاق شرك؟ نقول: هذا لا يدخل في هذا الباب، فهو لا يعظم الطلاق وإنما جرى مجرى اليمين كالنذر الذي له حكم اليمين؛ لأن الحلف إنما يكون بالمعظم لكنه يجري مجرى اليمين فلا يدخل ذلك في الشرك.