[استعمال المروءة]
قال: [الثاني: استعمال المروءة].
إذاً: يُعتبر للعدالة شيئان: الصلاح في الدين، والثاني: استعمال المروءة فلا يكون الرجل عدلاً حتى يكون صالحاً في دينه وأن يكون ذا مروءة، وقد تقدم شرح الصلاح في الدين.
أما المروءة فقال المؤلف: [بفعل ما يُجمّله ويزينه، وترك ما يدنسه ويشينه؛ لأن الذي لا مروءة له لا يؤمَن عليه الكذب ولا تؤمَن عليه الخيانة، كما جاء في الحديث: (إذا لم تستح فاصنع ما شئت) كما جاء في البخاري.
فالذي لا يستحي لا مروءة له، فلا يؤمَن عليه أن يكذب في شهادته، ولا يؤمن عليه كذلك أن يخون في أمانته.
ثم ذكر أمثلة فقال: [فلا شهادة لمتمسخر] وهو الذي فيه صفة استهزاء، [ورقّاص، ومشعبذ] الشعبذة هي خفة في اليدين، لكن ليست سحراً، وإنما هي خفة في اليدين، يعني يحضر المهرجانات ويكون عنده خفة في يديه.
[ولاعب بشطرنج ونحوه]، ولأن اللعب بالشطرنج كذلك حرام.
[ولا لمن يمد رجليه بحضرة الناس].
وهذه المسائل تختلف فيها الأعراف، فبعض البلاد إذا جلس الرجل في مجالس الرجال فمد رجليه سقطت مروءته، وبعضها لا يكون كذلك، فنرجع إلى المروءة في نفس البلد.
[أو يكشف من بدنه ما جرت العادة بتغطيته].
إذا كان أهل البلد قد جرت عادتهم بتغطية الرأس فمشى في تلك البلد حاسر الرأس عُد ذلك في تلك البلد مُسقطاً لمروءته، لا في البلد الأخرى التي يُشتهر فيها حسر الرأس.
كذلك لو خرج في البلد وعليه لباس قد كشف عن منكبيه مثلاً وربما كشف عن ساقيه، فهو يمشي في الشارع على هذه الصفة؛ فإنك لا تكاد تجد بلداً إلا وهذا عندهم مما تسقط به المروءة.
[ولا لمن يحكي المضحكات]، يعني يحكي للناس النكت والمضحكات في المجالس.
[ولا لمن يأكل في السوق] أي: يجلس في السوق ويأكل، وهذا كما ذكرت لكم يختلف باختلاف الأعراف.
[ويُغتفر اليسير كاللقمة والتفاحة] مثلاً: قد تكون في بلدك لا تأكل أبداً في الشارع لكن عندما يأتي الإنسان إلى مكة يجد الناس يأكلون مثلاً في الشارع عند المطاعم أو نحوها فيأكل معهم، فهذا لا يُنقص مروءتهم؛ لأن هذا يختلف كما ذكرت لكم باختلاف البلدان.
هنا كما رأيتم شرط العدالة فيه عسر، فإذا قلنا بالشروط التي ذكرها المؤلف من الصلاح في الدين والمروءة فقد لا نجد إلا اليسير ممن يصلح للشهادة، ولذا كما قال ابن القيم رحمه الله: إنه تُقبل شهادة الفاسق الأمثل فالأمثل عند الضرورة كما في هذه الأزمنة، قال: وإنما يُنكره أكثر الفقهاء بألسنتهم؛ لكن في المحاكم يقبلونه؛ لأن الحاجة تدعو إلى هذا، ولو رددنا شهادة من عنده فسق في هذا العصر فقد لا نجد إلا اليسير ممن تُحفظ بهم حقوق الناس في الشهادات.