[من شروط القطع انتفاء الشبهة]
قال: [السادس: انتفاء الشبهة، فلا قطع بسرقته من مال فروعه وأصوله].
الشرط السادس: انتفاء الشبهة؛ لأن الحدود تدرء بالشبهات كما تقدم شرحه، فلا قطع بسرقته من مال فروعه وأصوله، مثلاً: جدة سرقت من مال ولد بنتها، أو ولد ابنها، فلا قطع؛ لأن النفقة واجبة، فلوجوب النفقة على الأصول لم نقطع، لأن هذه شبهة، وإن كان هو بعينه لا ينفق عليها، لكن لوجود الشبهة فلا قطع، وكذلك العكس فلو سرق من مال أبيه مثلاً لا قطع عليه؛ لهذا المعنى.
[فلا قطع بسرقته من مال فروعه وأصوله، ولا بسرقته من مال له فيه شرك قال: وزوجته كذلك]، فلو سرق من مال زوجته فلا قطع؛ لأن كل واحدٍ من الزوجين ينبسط عادة في مال الآخر، فهذه شبهة، ولا نمنع التعزير في المسألة إذا وجد ما يقتضي ذلك، لكن الكلام كله في القطع.
وقد جاء في موطأ مالك: أن رجلاً أتى بعبدٍ له قد سرق مرآة زوجته وقال: إنها تساوي ستين درهماً، فقال عمر رضي الله عنه: لا قطع؛ خادمكم سرق متاعكم، فجعل متاع الزوجة متاعاً لزوجها.
قال: [ولا بسرقته من مال له فيه شرك].
أي: لو سرق من الشركة التي له فيها شرك -أي: نصيب-] فكذلك لا قطع عليه؛ لوجود الشبهة، وأما التعزير فيعزر.
قال: [أو لأحد ممن ذكر].
يعني: لأصوله أو فروعه، كأن يكون لأبيه فيها شرك، أو لجده فيها شرك، أو لولده فيها شرك، فلا قطع؛ لوجود الشبهة كما تقدم، وكذلك من سرق من بيت المال كما هو المذهب فلا قطع؛ لوجود الشبهة، لكنه يعزر، وكذلك الفقير الذي يسرق من وقف يختص بالفقراء، أو بجمعية تختص بالفقراء؛ لوجود الشبهة، وهي أن له في ذلك حقاً، حتى ولو كانوا قد أعطوه حقه كغيره من الفقراء، ولكن الكلام هنا في القطع، فالشبهة موجودة فلا قطع، لكن في ذلك التعزير.
قال: [السابع: ثبوتها إما بشهادة عدلين، {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة:٢٨٢]، ذكرين حرين]، فيشهد شاهدان أن فلاناً قد سرق، فتقطع يده، [أو بإقرار مرتين]، فيقر على نفسه مرتين، ولذا جاء في سنن أبي داود والنسائي: أن رجلاً أتى إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: إني قد سرقت فقال: (لا إخالك سرقت؟ قال: بلى، فأعادها النبي صلى الله عليه وسلم عليه مرتين أو ثلاثاً -والشك هنا يجعلنا نأخذ بالمرتين وهو اليقين- فقال: بلى.
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم به فقطع، فؤتي به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: استغفر الله وتب إليه، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم! تب عليه اللهم! تب عليه اللهم! تب عليه).
وجاء في مصنف ابن أبي شيبة: أن علياً رضي الله تعالى عنه أتي برجلٍ قد سرق، فقال: إني قد سرقت فرده، ثم قال: إني قد سرقت، فقال: إنك قد شهدت على نفسك مرتين، فأمر به رضي الله تعالى عنه فقطع.
قال: [أو بإقرارٍ مرتين]، ولا يرجع حتى يقطع، ولو رجع فإنه لا يقطع كما تقدم في الزنا: (ألا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه)؛ لأن هذا جاء باعترافه، فإذا كان باعتراف فإنه لا يقطع إن رجع.