إذا طلق الرجل امرأته وهو سكران، فهل يقع طلاقه؟ قال المؤلف هنا: يقع الطلاق، وهذا هو مذهب جمهور العلماء، واستدلوا بما روى الترمذي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:(كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه)، وقد صح ذلك عن علي رضي الله عنه موقوفاً عليه كما عند البخاري معلقاً، وأما رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما في الترمذي فإن إسناده ضعيف.
قالوا: ولأن في ذلك عقوبة له، فيؤاخذ بأقواله التي منها طلاقه عقوبة له.
والقول الثاني في المسألة وهو مذهب طائفة من التابعين ورواية عن الإمام أحمد واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن قيم الجوزية قالوا: لا يقع طلاق السكران.
واستدلوا بما ثبت عن عثمان رضي الله عنه في البخاري معلقاً ووصله ابن أبي شيبة أنه قال رضي الله عنه:(ليس لسكران ولا لمجنون طلاق).
وصح عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال:(طلاق السكران والمستكره غير جائز)، أي غير ماض، رواه البخاري معلقاً.
ولا نعلم لـ عثمان وابن عباس مخالفاً، أما أثر علي المتقدم فهو عام، وأما هذان الأثران فهما خاصان في هذه المسألة، وهذا هو القول الراجح.
وأما قولهم إنه يعاقب، فنقول: الشرع عاقبه بالحد، فيجلد شارب الخمر ثمانين جلدة، وأما فراق امرأته فلا، والذي يدل على ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام لما أقر ماعز رضي الله عنه بالزنا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يستنكه كما في صحيح مسلم بأن يشم فمه ليعرف هل شرب الخمر أم لا، ومفهوم هذا أنه لو شمت منه رائحة الخمر لم يقبل إقراره على نفسه بالزنا، فدل ذلك على أن أقواله لا يؤاخذ عليها إلا ما يتعلق بحقوق الآدميين من قذف أو نحو ذلك.
ولأن النبي عليه الصلاة والسلام قال:(لا طلاق ولا عتاق في إغلاق)، رواه أبو داود وغيره، والإغلاق هو أن ينسد عليه باب القصد، والسكران قد انسد عليه باب القصد فلا يقصد الطلاق، أو قصده ضعيف جداً، ولذا فإن الصحيح وهو اختيار شيخ الإسلام وتلميذه ورواية عن الإمام أحمد وهو قول بعض السلف وهو قول عثمان وابن عباس أن طلاق السكران لا يقع.