[الأول الملك أو البعضية أو الزوجية]
قال: [باب موانع الشهادة].
الموانع: جمع مانع، والمانع: هو ما يلزم من وجوده العدم، مثل الحيض يمنع من الصلاة.
فهنا يذكر موانع الشهادة.
قال: [وهي ستة: أحدها: كون الشاهد أو بعضه ملكاً لمن يشهد له].
يعني: لا تُقبل شهادة العبد لسيده، لأن العبد يتبسّط بمال سيده وسيده يُنفق عليه فإنه لا مال له، فكان كالولد مع والده فكما أن الولد -كما سيأتي- لا تُقبل شهادته لوالده فكذلك العبد لسيده.
وكذلك لو كان يملك بعضه وبعضه حر، كأن يملك زيد نصفه ونصفه الآخر حر، فكذلك لا تُقبل شهادته.
[وكذا لو كان زوجاً له ولو في الماضي].
الزوج لا تُقبل شهادته لزوجه، كذلك المرأة لا تُقبل شهادتها لزوجها، فلا يصح أن يكون الشاهد أحد الزوجين، هذا مذهب الجمهور، قالوا: لأن المرأة تتبسّط في مال زوجها؛ ولأن بينهما ما يدعو إلى التهمة في الشهادة، مما هو نحو ما يكون بين الولد ووالده، فالصلة قوية بين الزوجين.
قال هنا: (ولو في الماضي) أي: ولو كان قد أبانها أو خلعت نفسها منه، قالوا: لأنه قد يُحتال بهذا، قد يبين المرأة ثم يعود إليها بعد الشهادة فيُسد هذا الباب.
وقال الشافعية ورواية عن أحمد: بل شهادة أحد الزوجين للآخر تصح لعموم الآيات، والذي ترجح ما ذهب إليه الجمهور، إلا إذا انتفت التهمة فإنا نقبل كما ذكر هنا، أي: لو أنه أبانها وعُلم أن هذه البينونة لا تكون لطلب الشهادة على مثل هذا الأمر وهي الآن تشهد له أو يشهد لها والأمر يسير بحيث لا يفارق الرجل امرأته بالثلاث من أجل الشهادة به، فهنا التهمة منتفية.
قال: [أو كان من فروعه وإن سفلوا من ولد البنين والبنات أو من أصوله وإن علوا].
إذا كان من فروعه أو من أصوله فلا تُقبل الشهادة، فالولد لا يشهد لوالده ولا لجده ولا لأمه ولا لجدته، وكذلك الوالد لا يشهد لولده، والأم لا تشهد لولدها الذكر ولا لبنتها.
إذاً: الأصول والفروع لا تصح الشهادة لهم، هذا هو مذهب الجمهور، واستدلوا بقول عمر رضي الله عنه الذي رواه البيهقي بإسناد صحيح أنه قال: المسلمون عدول بعضهم على بعض، إلا مجلوداً بحد، أو مجرباً في شهادة زور، أو ظنيناً في قرابة أو ولاء، الظنين: هو المتهم، يعني أن يكون متهماً في قرابة، وأقوى القرابة التي تكون معها التهمة هي قرابة الأصول والفروع.
وقال أهل الظاهر وهو قول شريح القاضي والمزني وابن حزم: إن شهادة الأصول تصح للفروع والعكس، قالوا: لعمومات الأدلة: {وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق:٢]، {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة:٢٨٢].
واختار ابن قيم الجوزية وهو رواية عن أحمد، واختاره الشيخ محمد بن إبراهيم وظاهر اختيار الشيخ عبد الرحمن بن سعدي: أن شهادة الأصول والفروع تُقبل عند انتفاء التهمة.
إذاً: لا تُقبل إلا إذا انتفت التهمة، كأن يكون الرجل مبرّزاً في العدالة، معروفاً بالصلاح فمثله لا يشهد لولده أو لحفيده مثلاً أو لجده أو جدته بشهادة زور.
إذاً: الصحيح وهو قول الجمهور: أن شهادة الأصول والفروع لا تُقبل؛ لكن إن رأى القاضي أن التهمة منتفية في مثل هذه القضية، وأن الرجل له عدالة تمنعه عن الشهادة في مثل هذا فالأظهر أنه يقبل شهادته.
قال: [وتُقبل لباقي أقاربه] كأخيه إجماعاً، فالأخ يشهد لأخيه ويشهد لعمه، يقول مثلاً: أشهد أنه أقرض فلاناً كذا، أشهد أن فلاناً قد جرحه! إذاً: الأخ يشهد لأخيه، ويشهد لعمه، ويشهد لخاله.
[وكل من لا تُقبل له فإنها تُقبل عليه لعدم التهمة].
لأن الله جل وعلا قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [النساء:١٣٥] لو شهد الولد على والده يقول: أشهد أن فلاناً أقرض أبي، أو الوالد على ولده: أشهد أن فلاناً قد أقرض ابني، فهذه تُقبل بلا خلاف لعدم التهمة، والكلام فيما تقدم في الشهادة له لينفعه فهنا تكون التهمة.