الشرط الأول للذكاة كون الفاعل عاقلاً مميزاً قاصداً للذكاة
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الذكاة: وهي] أي الذكاة [ذبح أو نحر الحيوان المقدور عليه].
فالذكاة هي ذبح أو نحر، فالنحر في الإبل والبقر، والذبح في الغنم والبقر وغيرها، والبقر قد تُنحر وقد تُذبح.
قوله: [لا ما ند] سيأتي الكلام عليه إن شاء الله فإذا كان الحيوان مقدوراً على تذكيته فلا بد أن يُذكى.
قال: [وشروطها] أي الذكاة، [أربعة: أحدها: كون الفاعل عاقلاً مميزاً قاصداً للذكاة].
فلا بد أن يكون المذكي له قصد، والذي يكون له قصد هو العاقل المميز، وأما المجنون والسكران والطفل غير المميز فإنهم لا قصد لهم، وعلى ذلك فلا تجزئ تذكيتهم؛ ولأن التذكية لا بد فيها من التسمية، والتسمية عبادة وهؤلاء لا تصح عبادتهم.
أي: الطفل غير المميز وهو من كان دون سبع سنين، وكذلك المجنون، وكذلك السكران لا تصح عبادتهم.
إذاً لا بد أن يكون أهلاً للتذكية وهو العاقل المميز، ولا يشترط أن يكون بالغاً، بل هو العاقل المميز قال: [فيحل ذبح الأنثى].
كما جاء في البخاري في جارية ذبحت شاة كادت أن تموت، فكسرت حجراً فذبحتها به، يعني: أصبح هذا الحجر حاداً كالسكين، فسُئل النبي عليه الصلاة والسلام عن ذلك، فأمر بأكلها.
ولا خلاف بين أهل العلم أن المرأة تجزئ تذكيتها.
[والقن] وهو العبد، [والجنب] أي: لا يشترط أن يكون المذكي غير جنب، والمرأة كذلك ولو كانت حائضاً، وإذا كان ذبح أهل الكتاب يجزئ فأولى من ذلك الجنب والحائض، ولا خلاف بين أهل العلم في هذا.
قال: [والكتابي]: يعني تجزئ تذكيته، والكتابي لا يشترط -خلافاً للمشهور في المذهب- أن يكون أبواه كتابيين، وهو ظاهر الأدلة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وعليه أقوال الصحابة لا نزاع بينهم في ذلك، وعليه نصوص أحمد وهو قول أكثر الفقهاء.
فهذا هو الصواب خلافاً للمشهور في المذهب، قال الله جل وعلا: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة:٥] وهذا من الذين أوتوا الكتاب.
قال ابن عباس رضي الله عنه كما في البخاري: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة:٥] أي ذبائحهم.
فذبيحة الكتابي يهودياً كان أو نصرانياً تحل ولا يُشترط -كما تقدم- أن يكون أبواه كتابيين، وأما غير الكتابي فلا تجزئ ذكاته، ولذا قال المؤلف: [إلا المرتد].
المرتد ولو انتقل لدين أهل الكتاب؛ لأنه لا يقر على ذلك، فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من بدّل دينه فاقتلوه).
قال: [والمجوسي، والوثني، والدرزي، والنصيري].
أي: لأن هؤلاء ليسوا على الإسلام فلا تحل ذبائحهم.
وهنا مسألتان في الكتابي: إذا ذكر الكتابي اسم المسيح على ذبيحته فهل تحل؟ قولان لأهل العلم أصحهما وعليه الجمهور: أنها لا تحل؛ لقول الله جل وعلا: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة:٣].
والمسلم إذا أشرك فأهل لغير الله بذبيحته لم تحل فأولى من ذلك الكتابي، فإذا كانت الذبيحة قد ذُكر عليها اسم المسيح فإنها لا تحل.
المسألة الثانية: إذا ذبح الكتابي ما لا يحل له في شريعته فقولان لأهل العلم أصحهما: إجزاء تذكيته وإن كان هذا الطعام لا يحل له هو في شريعته، كالإبل إذا نحرها، وكذلك الغنم والشحوم، قال تعالى: {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا} [الأنعام:١٤٦] فإن ذكى فللمسلم أن يأكل الشحوم؛ لأن الدليل دل على إجزاء تذكيته وإنما يحرم الشحم عليه هو، وأما نحن فلم يحرم ذلك علينا وتذكيته مجزئة فدل ذلك على أن كل ما يدخل في هذا الحيوان ومنه الشحم أنه مباح.