[شرط قتل الجماعة بالواحد]
قال المصنف رحمه الله: [فلو تعمد جماعة قتل واحدٍ قتلوا جميعاً إن صلح فعل كل واحد منهم للقتل].
أي: لو اجتمع زيد وعمرو وبكر على قتل فلان؛ فإنهم يقتلون به جميعاً ولو كانوا مائة، وذلك في حالتين: الحالة الأولى: أن يصلح فعل كل واحدٍ منهم للقتل، يعني: إذا نظرنا إلى فعل زيدٍ منفرداً رأيناه صالحاً للقتل، وإذا نظرنا إلى فعل عمرو وحده منفرداً رأينا أنه يكفي في القتل العمد العدوان، وإذا نظرنا إلى فعل بكر وحده رأيناه كذلك، فهذا يوجب القصاص على الثلاثة.
اجتمع ثلاثة ومعهم سلاح فرموه، هذا رماه في رأسه، وهذا رماه في قلبه، وهذا رماه في بطنه، فهنا نجد أن فعل كل واحدٍ منهم يصلح للقتل لو انفرد، وعلى ذلك فيقتلون جميعاً.
فإن كان فعل كل واحدٍ منهم لا يصلح للقتل لم يقتل أحدٌ منهم، كما لو اجتمعوا عليه بالسياط، هذا ضربه سوطاً وهذا سوطين، وهذا ثلاثة، وهذا أربعة؛ حتى جلدوه ألوف السياط حتى مات، فهنا فعل كل واحد منهم لا يصلح للقتل، فلا يقتل أحد منهم به.
وإن كان فعل بعضهم يصلح قتل به، كما لو أن أحدهم قطع يديه، والآخر أجهز عليه فقتله، فيقتل به الآخر، وأما الأول فإن في فعله الدية.
الحالة الثانية: أن يكون فعل كل واحد منهم منفرداً لا يصلح للقتل، لكن كان هناك تمالؤ على قتله، بأن كانوا قاصدين بهذا الفعل القتل، فإنهم يقتلون به، وهذا لا يعرف إلا ببينة أو إقرار.
فمثلاً: اجتمع عشرة رجال فقالوا: نحن نريد قتل فلان، ولو قتلناه بسيوفنا لقتلنا به، إذاً: ماذا نفعل؟ قالوا: نقتله بأحجار صغيرة، فكل واحد منا يأخذ كذا من الأحجار التي لا تصلح بمفردها للقتل، أي أنه إذا نظر القاضي إلى فعله منفرداً فإنه لا يحكم عليه بالقتل، ولكنهم يريدون قتل الرجل، فقد تمالئوا على ذلك، فإنهم يقتلون به، وإنما يعرف ذلك بإقرارهم أو ببينة.
ونحن نقول هنا بالقصاص؛ لئلا يتخذ ذلك ذريعة إلى رد ودفع القصاص.
وقد جاء في البخاري: أن عمر رضي الله عنه قتل سبعة من أهل صنعاء برجل، قال رضي الله عنه: (لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به).
أما الدية فهي واحدة، إذا عفا الولي، ولا نوجب على كل واحد منهم دية، وإنما هي دية واحدة.
لكن إن قال: لا أعفو حتى يدفع لي كل واحد من الجناة دية، وتراضوا على ذلك، فهذا صلح عن الدم، والصلح عن الدم يجوز لو بأكثر من الدية.
فلو قتل زيد عمراً وثبت القصاص، ثم إن الولي قال: أنا لا أعفو إلا بكذا وكذا من المال، وذكر أضعاف الدية، ورضي القاتل، فلا بأس بذلك، وهو صلح عن الدم، وهو جائز.
وأما قتل الخطأ فالدية فيه محددة من الشرع كما سيأتي تقريره، فلا يزاد فيها.