قال المؤلف رحمه الله تعالى:[فصل: ويُعتبر في البيّنة العدالة ظاهراً وباطناً].
يعني: أن يكون عدلاً لا يظهر عليه فسق، وأن يُعرف من حاله الباطنة العدالة، وليس المقصود أن يُشق على قلبه؛ لكن المقصود أن يعرفه من كان له به اختصاص من جار أو غيره بالعدالة.
ولذا جاء في البيهقي بإسناد صحيح أن عمر رضي الله عنه قال لرجل: إني لست أعرفُك ولا يضرك أني لا أعرفك، فأتني بمن يعرفك.
فقال رجل: إني أعرفه.
فقال: بأي شيء تعرفه؟ قال: بالعدالة.
فقال: فأنت جاره الأدنى الذي يعرف ليله ونهاره ومدخله ومخرجه؟ قال: لا، قال: فعاملته بالدرهم والدينار التي يُستدل بها على الورع؟ قال: لا، قال: فسافرت معه فإن السفر يُستدل به على مكارم الأخلاق؟ قال: لا، قال: فلست تعرفه، ثم قال للرجل: ائتني بمن يعرفك، قالوا: فهذا يدل على أنه لا بد من العدالة الظاهرة والعدالة الباطنة.
والقول الثاني في المسألة وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ولا يسع الناس في هذا الزمن غيره: أن الشاهد يكفي أن يكون مرضياً من جهة الأمانة والصدق، فإذا كان معروفاً بالصدق فإن هذا يكفي؛ لقول الله جل وعلا:{مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}[البقرة:٢٨٢].
قال: أما قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ}[الطلاق:٢] فإن هذا في التحمّل ليحتاط لحقه، فعند التحمل يبحث عمّن عُرف بالعدالة الظاهرة والباطنة؛ لأن هذا أحفظ لحقه؛ لكن عند أداء الشهادة إذا أداها من نرضى صدقه وأمانته فإن هذا يكفي للآية الأولى، ولا يسع الناس في هذا الزمن إلا هذا، فإن من أهل الكبائر والفسق من هو معروف بالصدق لا يكذب، معروف بالأمانة لا يخون، حتى إن الناس يأخذون خبره ويثقون بكلامه وليس من أهل الديانة بل هو معروف بالفسق، والله جل وعلا يقول:{مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}[البقرة:٢٨٢]، هذا القول هو الأصح ولا يسع الناس في هذا الزمن غيره.