السكر: لذة ونشوة يذهب معها العقل، فلا يدري صاحبها ما يقول، قال تعالى:{لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}[النساء:٤٣]، وقد أجمع أهل العلم على تحريم الخمر، وإنما وقع الخلاف في ما لم يسكر قليله من غير العنب، وأما ما أسكر قليله فلا خلاف بين أهل العلم في تحريمه كله، سواء كان من العنب أو التمر أو الحنطة أو الشعير، أو العسل، وقد ثبت في الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال:(نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: التمر والزبيب والعسل والحنطة والشعير).
وأما إذا كان قليله لا يسكر لكن كثيره يسكر فأجمعوا كذلك على تحريمه إذا كان من العنب، فما كان من العنب فإنه حرام وإن كان قليله لا يسكر ما دام أن كثيره مسكراً، وأما إذا كان من غير العنب فقال أهل الكوفة: إنه جائز، وهذا خلاف ما ذهب إليه عامة أهل العلم، فعامة أهل العلم على أن ما أسكر كثيره فقليله حرام، وقد جاء هذا صريحاً كما عند الخمسة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:(ما أسكر كثيره فقليله حرام)، وفي أبي داود أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:(ما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام).
وأما أهل الكوفة فأجازوه من غير العنب إن كان قليله لا يسكر، ولا يشرب كثيراً يسكره.
إذاً: فهم يقولون: أولاً: ألا يكون من العنب، ثانياً: أن يكون قليله لا يسكر، فإذا قدر مثلاً أن شراب الشعير يسكر منه قدر لترٍ فشرب منه ربع لترٍ، وكان ربع اللتر هذا كما تقدم في هذا الحد لا يسكر فلا حرج عليه في ذلك، هذا هو قولهم، فلا يقولون بشرب النبيذ مطلقاً كما يفهم بعض الناس ويغلط، بل يرون أنه له أن يشرب هذا القليل الذي لا يسكر، ولو زاد فشرب زيادةً سكر، لكنه لم يشرب إلا هذا القدر الذي لا يسكر، ومع ذلك فقد ذهب عامة أهل العلم إلى القول بتحريم ذلك، بل قالوا: بأن شارب هذا القليل يحد، ولم يقولوا ذلك في النكاح بلا ولي؛ لأن الأحاديث فيه أظهر.
والجمهور يقولون: إن من نكح بلا ولي فإنه لا يقام عليه الحد، وأما من شرب النبيذ من غير العنب الذي يسكر كثيره وقد شرب منه قليلاً فقالوا: إنه يحد؛ قالوا: لأن هذا ذريعة إلى شرب الكثير، ولأن الأحاديث فيه أصرح.
قال الإمام أحمد رحمه الله في الأحاديث في تحريم ذلك: تثبت من عشرين وجهاً، وقال رحمه الله: لا يصح في الرخصة في المسكر حديث.
وقال ابن المنذر رحمه الله: وقد استدل أهل الكوفة بأحاديث معلولة ذكرناها وذكرنا عللها.