وأما في الاصطلاح: فهي العقوبة المقدرة شرعاً لمعصية، هذه هي الحدود، فكل عقوبة حددها الشارع لمعصية من المعاصي كالزنا؛ فإن هذه العقوبة تسمى حداً.
قال:[لا حد إلا على مكلف]، والمكلف هو العاقل البالغ، فإذا زنى من ليس عاقلاً أو ليس بالغاً فلا يقام عليه الحد، ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لـ ماعز:(أبك جنون؟) كما في الصحيحين، فدل ذلك على أن الجنون يدرأ عنه الحد، وقال عليه الصلاة:(رفع القلم عن ثلاثة: الصبي حتى يبلغ، والمجنون حتى يعقل، والنائم حتى يستيقظ).
قال:[لا حد إلا على مكلف ملتزمٍ].
يعني: ملتزماً لأحكام الشرع، فدخل في ذلك المسلم والذمي، فالمسلم ملتزم لأحكام الشريعة فتقام عليه الحدود؛ ولو لم يلتزم بأحكام الشرع لم يكن مسلماً، فالمسلم يلتزم بأحكام الشريعة الإسلامية، وكذلك الذمي، وهو الذي يعيش في بلدنا وله ذمتنا، فهذا ملتزم تقام عليه الحدود، إذاً: الملتزم هو المسلم والذمي.
وخرج من ذلك الحربي والمستأمن، فالحربي لا تقام عليه الحدود، والمستأمن كذلك لا تقام عليه الحدود.
قال:[عالمٍ بالتحريم]، أي: ليس جاهلاً به، الجاهل بالتحريم لا يقام عليه الحد، لكن هل هذا على الإطلاق؟
الجواب
لا.
بل نقيد ذلك بما إذا كان مثله يجهله، فالجهل لا شك أنه عذر، ولذا قال الله جل وعلا في كتابه الكريم:{رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}[البقرة:٢٨٦]، والخطأ هو الجهل، قال الله:(قد فعلت) كما في صحيح مسلم.
وهذا كما يكون في أمور الناس، فلو أن رجلاً خالف في مخالفة مرورية، كقطع إشارة أو نحو ذلك، وقال: أنا لا أعرف أن هذه مخالفة، فإنهم ينظرون، إذا كان الأمر واضحاً جلياً ظاهراً كالإشارة لم يقبلوه، وقالوا: إن مثلك لا يجهل، ولو كان أمراً خفياً كأن يكون الشارع جديداً، وكان له في القديم مثلاً أكثر من اتجاه، والآن ليس له إلا اتجاهاً واحداً، فقد يخفى هذا، وقد يكون الرجل غريباً على البلد، لا يعرف أن هذا الشارع له اتجاه واحد.
فكذلك في أمور الشرع، فإذا كان حديث عهدٍ بإسلام، أو كان ناشئاً في بادية، وباديتنا في هذا الزمن لا يخفى عليهم الشيء الكثير من أمور الناس؛ لأنهم متعلمون، لكن قد يكون إنسان يعيش بعيداً في الصحراء ولا يعرف من أمور الناس شيئاً، فلا حد.