قال:[ومتى أعسر بنفقة المعسر]، يعني أصبح لا يستطيع أن ينفق عليها حتى نفقة المعسرين، فإذا أعسر بنفقة المعسر، [أو كسوته أو مسكنه، أو صار لا يجد النفقة إلا يوماً دون يوم، أو غاب الموسر وتعذرت عليها النفقة بالاستدانة وغيرها]، أي فليس عنده طريق أخرى تأكل منه، فلا تستطيع أن تذهب إلى البقالة أو التموينات فتقول: اكتبوا على زوجي حتى يأتي، قال:[فلها الفسخ فوراً ومتراخي].
هذا رجل أصبح لا يقدر أن ينفق على امرأته حتى نفقة المعسر، أو يقدر يوماً ويعجز يوماً، أو هو قادر لكنه سافر ولم تقدر على الاستدانة عليه، قالوا: فلها الفسخ، واستدلوا بما روى الدارقطني عن سعيد بن المسيب: أنه قال فيمن لا يقدر على أن ينفق على امرأته: يفارقها، فقيل له: سنة؟ قال: سنة.
ومراسيل سعيد بن المسيب عند أهل العلم يحتج بها، هذا هو المذهب.
والقول الثاني في المسألة وهو مذهب الأحناف ورواية عن أحمد واختيار ابن قيم الجوزية واختيار الشيخ عبد الرحمن بن سعدي قالوا: بل ليس لها أن تفسخ، ولا يمكنها القاضي من الفسخ إلا أن تكون مضطرة إلى ذلك، أي في ضرورة.
المذهب يقولون: حتى لو كانت المرأة غنية، أو كان هناك من ينفق عليها، كما لو قال أبوها: أنا أنفق، أو كانت هي موظفة أو لها مال إرث؛ يقول: فلها أن تفسخ ما دام أنه عجز عن نفقة المعسر أو سافر ولم يترك لها نفقة ولم تتمكن من الاستدانة، أي أن لها الفسخ مطلقاً.
أما أهل القول الثاني فقالوا: إنه ليس لها الفسخ إلا إذا دفعتها إلى ذلك الضرورة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(لا ضرر ولا ضرار)، فإذا خشيت على نفسها الضرر حيث لم يكن عندها شيء تنفق منه، فليس هناك مال قد ورثته ولا وظيفة ولا غير ذلك، فما دام أنها تخشى على نفسها الضرر فلها أن تفسخ.
قالوا: لأن العسر كان كثيراً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والعسر واليسر مطيتان يركبهما ابن آدم، فلو مكنا كل امرأة من أن تفسخ نفسها من وزجها إذا أعسر لكثر ذلك، وإنما نمكنها فقط إذا خشيت الضرر على نفسها فندفع عنها الضرر بذلك، وهذا هو الصحيح.
ثم قال رحمه الله:[ولا يصح بلا حاكم]، الفسخ هنا لا يصح بلا حاكم لأنه مختلف فيه، فلابد من حاكم، فلا تمكن المرأة من أن تفسخ نفسها وتذهب إلى أهلها وتنتظر الأزواج وتقول: أنا قد فسخت نفسي، بل لابد أن يحكم بذلك القاضي، [فيفسخ بطلبها أو تفسخ بأمره]، إذاً: لابد من أن يكون هناك فسخ مبني على أمر القاضي.