للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حد من شرب مسكراً

قال: [من شرب مسكراً مائعاً أو استعط به]؛ لأن المقصود من ذلك: أن يدخل بدنه سواء كان هذا بشربٍ أو استعاط، والاستعاط من الأنف، [أو احتقن به] كحقنة في الدبر، [أو أكل عجيناً ملتوتاً به]، أي: أكل عجيناً عجن بالخمر، ولو لم يسكر لما تقدم، ما دام أن كثيره مسكر فإن ذلك لا يجوز.

وأما لو استُهلك كالذي يخلط في ماء فيستهلك ويبقى الاسم للماء كبعض المشروبات التي يكتب على عبواتها أن فيها نسبة من الكحول، لكن هذه لو تشرب منها الكثير فإنه لا يسكر، فهذا قد استهلك وذهب، ولا يخلو كثير من الأشربة من وجود نسبة معينة من كحول، لكن هذه النسبة مستهلكة، ولذا لا حرج في شرب ما يصنع من الشعير الذي لا يسكر، ويأتي ما ثبت من شربه عليه الصلاة والسلام لذلك إذا لم يتجاوز ثلاثة أيام، يأتي ذلك إن شاء الله.

قال: [ولو لم يسكر حد ثمانين إن كان حراً]، وألحق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الحشيشة بذلك، وهذا ظاهر، ولذا قال عمر رضي الله عنه: (والخمرة ما خامر العقل)، فما أذهب العقل فهو خمر، وقال عليه الصلاة والسلام: (كل مسكر خمر، وكل خمر حرام)، رواه مسلم في صحيحه.

قال: [حد ثمانين إن كان حراً]، وأما العبد فإنه يحد أربعين، كما تقدم في حد الزنا -يعني: قياساً على حد الزنا- والدليل على أنه يحد ثمانين ما ثبت في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه، قال: (أتي النبي عليه الصلاة والسلام برجل شرب الخمر فأمر بضربه بجريدتين نحواً من أربعين، وفعله أبو بكر، فلما كان عمر رضي الله عنه استشار الناس فقال عبد الرحمن بن عوف: أخف الحدود ثمانون، فأمر به) إذاً: فهي سنة عمرية.

وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (جلد النبي عليه الصلاة والسلام أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وجلد عمر ثمانين، وكل سنة، وهذا أحب إلي) يعني: الجلد بالثمانين، فهذه زيادة على ما كان على عهد النبي عليه الصلاة والسلام، وعلى ما كان في عهد أبي بكر، وهذه الزيادة دعا إليها استشراء الخمر وكثرة شربها، فلما رأى عمر ذلك رأى أن يحد بثمانين، وكان ذلك بمحضرٍ من الصحابة، ولذا قال علي كما تقدم (وكل سنة، وهذا أحب إلي).

وقال بعض أهل العلم وهو اختيار شيخ الإسلام ورواية عن أحمد: بل يحد أربعين؛ لأن هذا هو الذي كان على عهد النبي عليه الصلاة والسلام وعلى عهد أبي بكر، والذي يترجح ما كان في عهد عمر رضي الله عنه، لكنا نقول: إن الأربعين حدٌ والأربعين الأخرى تعزير، وعلى ذلك فـ عمر رضي الله عنه ضربه ثمانين: أربعين منها حد، وأربعين منها تعزير.