قال:[لكن لا يحد قاذف غير البالغ حتى يبلغ ويطالب بحقه].
أي: فمن قذف غير بالغٍ، يعني: قذف صبياً، وهذا الصبي يطأ مثله، كأن يكون مثلاً ابن إحدى عشرة سنة، أو ابن اثنتي عشرة سنة، أو ابن ثلاث عشرة سنة ولم يبلغ بعد، فقذفه رجل بالزنا، يقول: لا يحد هذا القاذف حتى يبلغ هذا المقذوف، ويطالب به بعد بلوغه.
إذاً: من قذف صبياً يطأ مثله ففي ذلك الحد، ولذا قال المؤلف هنا: عاقلاً، ولم يقل بالغاً، فلا يشترط البلوغ في المقذوف، وإنما يشترط في القاذف، فالمقذوف وإن كان غير بالغٍ يحد قاذفه ما دام أن مثله يطأ، لكن يقام الحد إذا بلغ، وطالب بحقه؛ وذلك لأن المذهب -وهو قول الجمهور-: أن القذف حق للمقذوف، فلا يقام ولا يستوفى إلا بطلبه، ولذا فإن له العفو، قالوا: ولأن هذا -أي: القذف- جناية على العرض، فكان كالجناية على البدن.
فإن قيل: فلماذا لم يقتص منه برميه بالزنا؟ نقول: هذا إثم، فلا يقتص بمثله، ولذا وضع الشارع له حداً وهو ثمانون جلدة.
وقال الأحناف وهو رواية عن أحمد: بل هو حق لله، فإذا قلنا: إنه حقٌ لله، فلا يسقط بالعفو، ويستوفى من دون مطالبة إذا بلغ الحاكم، لكن ما ذهب إليه أهل القول الأول هو الأقرب.
وعلى ذلك فنقول: هو حق لهذا الآدمي المقذوف، فلا يقام إلا بمطالبته، ولا يستوفى إلا بمطالبته، وهذا صبي إلى الآن فيحق له أن يطالب إذا بلغ، فإذا بلغ اعتبر قوله، وسألناه إن فلاناً قد قذفك وأنت صبي، ومثلك يطأ، والعار يلحقك، فهل تطالب؟ فإذا قال: لا ما أطالب، وأنا قد عفوت عنه، سقط الحد.