قال:[ولا يزاد في جلد التعزير على عشرة أسواط]، يقولون: أقصى حد في التعزير هو عشرة أسواط، فلو خلا رجلٌ بامرأة وباشرها لكنه لم يطأها، وقبض عليه أو اعترف، أو كانت هناك بينة وأراد الحاكم أن يعزره فإنه لا يعزره إلا بعشرة أسواط فأقل.
واستدلوا بما ثبت في الصحيحين أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:(لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حدٍ من حدود الله).
وفي المسألة أربعة أقوال لأهل العلم، القول الثاني في المسألة: أن للإمام أن يعزر بما رأى، يعني: ولو بمائتي سوط، وهو مذهب المالكية.
القول الثالث وهو مذهب الأحناف والشافعية ورواية عن أحمد: أن له أن يعزر بما دون الحد، وهو ثمانون بالنسبة للحر، وأربعون بالنسبة للعبد، وعلى ذلك فلو خلا بامرأة وبات عندها لكنه لم يطأها، فللحاكم أن يجلده تسعة وتسعين سوطاً، ولا يجلده مائة، وإن كان عبداً فتسعة وأربعين.
القول الرابع وهو أصحها وأحسنها كما قال ابن القيم ومال إليه شيخ الإسلام كما ذكر ذلك صاحب الإنصاف: أنه لا يبلغ به الحد إذا كانت المعصية في جنسها حدٌ، فإن لم يكن في جنسها حد فله أن يعزر بما يرى.
وهذا قريب من المذهب الذي قبله لكنه أضبط، يقول: ننظر إلى المعصية: فإن كانت هذه المعصية فيها حد فإنا لا نتعدى هذا الحد، فإن خلا رجل بامرأة ولم يطأها، فإن الشرع قد قضى بأن الزنا فيه مائة جلدة، فإنا لا نعزره بمائة جلدة فيما إذا خلا بها، وإنما نعزره بتسع وتسعين فأقل.
وأما إذا كانت المعصية ليس في جنسها حد فله أن يعزر بما يرى، فلو أن رجلاً مثلاً شرب الماء في نهار رمضان أمام الناس وخشي الإمام أن يترتب على ذلك استطالة للخلق في هذا الباب، فرأى أنه يجلد مثلاً خمسمائة سوط، في كل أسبوع مثلاً يجلد مائة، ولا يجلد في اليوم أكثر من مائة فهذا لا يتحمله، لكن تجزأ ففي كل أسبوع يأتون به ويجلد، إذا رأى ذلك فلا بأس به، بل لو رأى أن يعزر بالقتل فله ذلك، ولذا ذهب المالكية وهو اختيار ابن القيم ووجه في مذهب أحمد: أن الداعية إلى البدعة قد يصل التعزير به إلى القتل إذا لم تندفع مفسدته إلا بذلك، فإذا كان يدعو إلى بدعة مغلظة ولم تندفع بدعته إلا بذلك، فمذهب المالكية وهو وجه في مذهب أحمد واختاره ابن قيم الجوزية: أنه يجوز للإمام أن يعزره بالقتل.