للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صفة اللعان]

قال: [وصفة اللعان أن يقول الزوج أربع مرات: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا ويشير إليها]، يقول ذلك عند القاضي لأنها دعوى، وهل ما يقوله شهادات أو أيمان؟ الصحيح وهو قول الجمهور أنها أيمان مؤكدة بالشهادة، ولذا قال الله جل وعلا: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور:٦] فقوله: (بالله) هذا قسم.

فإذاً هي أيمان مؤكدة بالشهادة، والشهادة تأتي بمعنى اليمين، ومنه قول الله جل وعلا: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون:١].

ثم قال بعد ذلك: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المجادلة:١٦].

والذي يترتب على ذلك أن من صحت يمينه صح لعانه، وعلى ذلك يصح لعان الفاسق لأن يمينه تصح، ولذا فإذا حلف الفاسق فعليه الكفارة، وليس معناه أنها تقبل عند القاضي، فهذا كلام آخر، على أن يمينه أيضاً تقبل عند القاضي، إذا لم يأتي الخصم بالبينة.

ولا يصح لعان الصبي المميز، لأن يمينه لا تصح، فالصبي المميز لو حلف فقال: والله لا أفعل كذا ثم فعل فليس عليه كفارة لأنه غير مكلف.

ويلاعن الزوج أولاً قبل المرأة؛ لأن الله عز وجل قد بدأ به، ولأنه هو المدعي، ولأن جانبه أقوى لأن الغالب أنه هو الصادق، فيبعد أن يرمي امرأته بالفاحشة على رءوس الأشهاد ويلاعنها على ذلك إلا وهو صادق.

ولذا فإنه يبدأ به أولاً، فيقول: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا، ويشير إليها إن كانت حاضرة أو يسميها بما تتميز به.

قال: [ثم يزيد في الخامسة: وأن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين]، والمستحب أن يعظه القاضي ويذكره، وقد جاء في صحيح مسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام ذكر الملاعن ووعظه وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، يعني: تحمل أن تجلد ثمانين جلدة ولا ترم هذه المرأة بالزنا إن كنت تعلم أنك كاذب، فعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، ثم دعا المرأة ووعظها كذلك.

وفي سنن أبي داود والنسائي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً أن يضع يده على فيه عند الخامسة ويقول: إنها موجبة)، يعني: توجب اللعن.

قال: [ثم تقول الزوجة أربعاً: أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا، ثم تزيد في الخامسة: وأن غضب الله عليها إن كان من الصادقين]، تقول هذا في الخامسة، وهنا عبر بالغضب، لأن الغالب أنها كاذبة في هذا المقام؛ لأن الرجل يبعد أن يرميها على رءوس الأشهاد ويلحق بنفسه عاراً إلا وهو صادق، والغضب إنما يكون ممن يعلم الحق ويعمل بخلافه أو يقول بخلافه.

قال: [ويسن تلاعنهما قياماً]، يعني: يقوم وتقوم، كما جاء هذا في البخاري، [بحضرة جماعة] أي: يحضر جماعة.

قال: [وأن لا ينقص عن أربعة]، وقد جاء في البخاري عن سهل بن سعد في قصة الملاعنة قال: (كنت مع الناس عند النبي عليه الصلاة والسلام).

وجاء أن ذلك كان في المسجد كما ثبت أيضاً في البخاري من حديث سهل بن سعد، فيستحب أن يكون في المسجد، ويستحب أن يكون قياماً، وأن يحضر ذلك جماعة من الناس.

والمؤلف قال هنا: [أن لا ينقص عن أربعة رجال]، ليشهدوا على المرأة إذا أقرت به.

قال: [وأن يأمر الحاكم من يضع يده على فم الزوج والزوجة عند الخامسة ويقول: اتق الله فإنها الموجبة وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة]، وتقدم شرح هذا.