[طريق الحكم وصفته]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب طريق الحكم وصفته.
إذا حضر إلى الحاكم خصمان فله أن يسكت حتى يبتدئا].
دخل عليه خصمان وهو لا يدري هل هذا المدّعي أم هذا؟ فله أن يسكت حتى يبتدئا، [وله أن يقول: أيكما المدّعي، فإذا ادّعى أحدهما اشترط كون الدعوة معلومة] يعني بشيء معلوم، وأن تكون محررة واضحة بيّنة، يقول مثلاً: أنا أدّعي عليه أني أقرضته مثلاً عشرة آلاف ريال أو أعطيته كذا صاعاً من البر، فلا بد أن تكون موضحة، ولا يقول: أقرضته شيئاً، أو أعطيته طعاماً بل يحرر دعواه تكون واضحة بيّنة.
قال: [وكونها منفكة عمّا يكذّبها]، فلو قال: أدعي على هذا أنه اقترض مني قبل عشرين سنة كذا والمدعى عليه ابن خمس عشرة سنة! فهذه دعوى قد ارتبط بها ما يُكذّبها، لأن هذا ابن خمس عشرة سنة فكيف تدّعي أنك قد أقرضته قبل عشرين سنة؟ إذاً: إذا كانت هذه الدعوة معلوم كذبها فلا يُنظر إليها.
قال: [ثم إن كانت بدين اشترط كونه حالّاً].
إن كانت الدعوى بدين اشترط القاضي كونه حالاً، فلا تصح بمؤجل، أي: ما دام الدين لم يحل فلا ترفع الدعوى حتى يحل؛ لأنك لا تملك المطالبة به قبل ذلك، لكن إن كان يطلب إثباته بورقة يقول: دعواي أن يكتب لي وثيقة بالدين ويقربه فلا مانع من نظر هذه الدعوى، [وإن كانت بعين اشتُرط حضورها لمجلس الحكم لتُعين بالإشارة] فيقال: هذه العين، هذه الساعة، هذا الحلي.
[فإن كانت غائبة عن البلد]، أي: إذا كانت هذه العين ليست في البلد، [وصفها كصفات السلم]، يعني: أن يكون الوصف منضبطاً.
[فإذا أتم المُدّعي دعواه، فإن أقر خصمه بما ادعاه، أو اعترف بسبب الحق ثم ادعى البراءة لم يُلتفت لقوله، بل يحلف المُدّعي على نفي ما ادعاه].
إذا قال: أنا أقرضته عشرة آلاف، ثم إنه أقر المدعي عليه وقال: إني قد أعطيته، فادّعى البراءة لم يُلتفت لقوله، بل يحلف المُدّعي على نفي ما ادّعاه.
يعني: لو ادّعى البراءة فيحلف المُدّعي على نفي ما ادّعى خصمه، [ويلزمه بالحق إلا أن يُقيم بيّنة ببراءته] أي: يأتي ببينة على أنه قد أعطاه حقه.
قال: [وإن أنكر الخصم ابتداء] أي: أنكر القرض فقال: إنه لم يُقرضني، [بأن قال لمُدّعٍ قرضاً أو ثمناً: ما أقرضني، أو ما باعني، أو لا يستحق عليّ شيئاً مما ادعاه، أو لا حق له عليّ صح الجواب]؛ لأنه الآن نفى الحق من أصله، أما هناك فقد أقر أنه أقرضه ثم ادّعى أنه قد قضى هذا الدين، فهنا نقول: لا بد من بيّنة على أنه قضى.
قال: [فيقول الحاكم للمُدّعي: هل لك بيّنة؟ فإن قال نعم، قال له: إن شئت فأحضرها، فإذا أحضرها وشهدت سمعها وحرُم ترديدها]؛ لأنه إذا رددها فإن هذا يؤدي إلى كتمان الحق، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.