[مشروعية النذر]
قال: [وهو مكروه لا يأتي بخير ولا يرد القضاء] هذا هو قول الجمهور أن النذر مكروه، قالوا: لما جاء في الصحيحين: (أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن النذر، وقال: إنه لا يأتي بخير إنما يُستخرج به من البخيل) فقال الجمهور: إن النذر مكروه.
وذهب إلى تحريمه طائفة من أهل الحديث لنهي النبي عليه الصلاة والسلام عنه، وتوقف في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وذكر الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله أن النذر نوعان: النوع الأول نذر التبرر، يعني التقرب فهذا لا يُكره، وفيه يقول الله جل وعلا: {وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} [البقرة:٢٧٠]؛ لأن الذين لم يقولوا بالتحريم من أهل العلم مع نهي النبي عليه الصلاة والسلام عن النذر قالوا: إن الله جل وعلا قال: {وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} [البقرة:٢٧٠] أي: فيثيبكم عليه؛ فدل على أنه ليس بمحرم.
قالوا: ولأن الله جل وعلا أثنى على الموفين به فدل على أن النهي هنا ليس للتحريم، فذكر هنا الشيخ الشنقيطي رحمه الله أن النذر نوعان: النوع الأول: نذر التبرر، كما تقدم.
والنوع الثاني: النذر الذي يكون على سبيل المشارطة، أي: ينذره العبد ليجلب لنفسه نفعاً أو يدفع عنها ضراً، فهذا هو الذي جاء الحديث في النهي عنه.
إذاً: حملوا الحديث الذي فيه النهي عن النذر على النذر الذي يكون على سبيل المشارطة، وهو الذي ينذره العبد ليجلب نفعاً أو يدفع ضُراً عن نفسه يقول: يا رب إن ابني قد اشتد به المرض فلك عليّ يا رب إن شفيته أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر.
أو يقول: يا رب لك عليّ إن ربحت في تجارتي هذه أن أتصدق منها في كل شهر بكذا هذا يشارط ربه، وهذا هو الذي يُستخرج به من البخيل.
يدل على ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام قال كما في رواية البخاري: (فإن النذر لا يُقدّم شيئاً ولا يؤخر شيئاً).
وفي رواية لـ مسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا تنذروا، فإن النذر لا يأتي من القدر بشيء).
وفي رواية: (فإن النذر يوافق القدر فيخرج به من البخيل ما لم يكن البخيل يريد أن يُخرج عن نفسه).
وعلى ذلك فالنهي الذي جاء عن النذر إنما هو في النذر الذي يكون على سبيل المشارطة، أما الذي يكون ابتداءً على جهة التقرب والتبرر يقول: يا رب لك عليّ أن أصوم من كل شهر ثلاثة أيام، أو: يا رب لك عليّ أن أعتمر في كل عام، فهو مستحب، لأنه نذر تبرر وتقرب لا يشارط فيه العبد ربه، فلا يقول: يا رب إن شفيت مريضي، إن فعلت لي كذا! ويُحمل عليه قوله جل وعلا: {وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} [البقرة:٢٧٠]، والله أعلم.