[عدد الرضعات المؤثرة في التحريم]
قال: [بشرط أن يرتضع خمس رضعات]، لما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي النبي عليه الصلاة والسلام وهن فيما يقرأ من القرآن)، لكن الآيتين منسوختان لفظاً ونسخ حكم العشر أيضاً، وأما آية الخمس رضعات فنسخ لفظها وبقي حكمها، وكان من الناس من لم يعرف بنسخ التلاوة فكان يتلوها، ولذا قالت: (فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهن فيما يتلى من القرآن).
وهذا المذكور هو مذهب الشافعية والحنابلة، قالوا: إن الرضاع لا يحرم إلا إذا كان خمساً، فإذا رضع خمس رضعات معلومات ثبت التحريم.
وقال المالكية والأحناف: يحرم الرضاع ولو مرة، فإذا ارتضع الطفل من المرأة ولو مرة حرمت، قالوا: لإطلاقات الأدلة: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)، {وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء:٢٣].
ولما ثبت في الصحيحين: (أن عقبة بن الحارث تزوج أم يحيى بنت أبي إهاب فأتت امرأة وقالت: إني قد أرضعت عقبة والتي تزوج، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يفارقها قال: كيف وقد قيل؟ فنكحت زوجاً آخر).
قالوا: فهذه إطلاقات تدل على أن الرضاع يحرم ولو مرة.
وقال الظاهرية: بل التحريم يثبت بثلاث رضعات، لقول النبي عليه الصلاة والسلام فيما ثبت في صحيح مسلم: (لا تحرم المصة والمصتان)، من حديث عائشة.
ومن حديث أم الفضل: (لا تحرم الإملاجة والإملاجتان).
قالوا: فهذا يدل على أن الرضاع يحرم بالثلاث.
والجواب أن نقول: أما ردنا على الظاهرية فنقول: هذا مفهوم، وعندنا منطوق بأنه يحرم من الرضاع خمس رضعات كحديث عائشة: (كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس) والمنطوق عند أهل الأصول يقدم على المفهوم.
وأما ما استدل به الأحناف والمالكية فنقول: هذه نصوص مطلقة وأحاديثنا مقيدة، والواجب هو تقييد إطلاقات النصوص، ولأن الأصل هو الحل: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء:٢٤].
فإذا قلنا تحرم المصة الواحدة أو الرضعة الواحدة فإن هذا فيه تحريم غير متيقن، والله يقول: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء:٢٤].
وعلى ذلك فنقول: إن الصحيح أن الرضاع المحرم هو ما كان خمس رضعات كما في حديث عائشة رضي الله عنها، وقال هنا: [في العامين] لقوله جل وعلا: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة:٢٣٣].
وفي الدارقطني عن ابن عباس رضي الله عنه مرفوعاً والصواب وقفه أنه قال: (لا رضاع إلا في الحولين).