[شرط الاجتهاد في القاضي]
[مجتهداً]، وهذا بالإجماع كما حكاه ابن حزم رحمه الله، لكن الأحناف ذهبوا إلى صحة قضاء المقلّد؛ قالوا: لأن المقصود في القضاء هو فصل النزاع.
والصحيح أن المقصود في القضاء فصل النزاع بالحق الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله يقول: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ} [المائدة:٤٩]، وعلى ذلك فليس المقصود هو فصل النزاع فقط كما يكون في الصلح بين المتخاصمين، وإنما المقصود أن يُفصل النزاع بالحق، وعلى ذلك فالصواب أنه لا بد أن يكون مجتهداً؛ لأن الله جل وعلا قال: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ} [المائدة:٤٩].
وقال: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء:١٠٥].
وقال عليه الصلاة والسلام في القاضي الذي في الجنة قال: (عرف الحق فقضى به)، أي: عرف الحق بالدليل.
وقال: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب)؛ إذاً لا بد أن يكون مجتهداً؛ هذا هو الصحيح.
قال: [ولو في مذهب إمامه للضرورة] يعني ولو كان مجتهداً في مذهب إمامه للضرورة، يعني: إذا عدمنا المجتهد المطلق فإنا نأخذ بمجتهد في مذهب إمامه للضرورة كما تقدم؛ لأن الشروط تُعتبر بحسب الإمكان، فإذا لم نجد مجتهداً فنأخذ مجتهداً في مذهب إمامه؛ لأنا مضطرون إلى ذلك.
وكما تقدم فيما هو ظاهر في مذهب أحمد أنه يولى الأمثل فالأمثل؛ لكن قال الحنابلة: إنه يحكم بمذهب إمامه ولو خالف الحق فيما يعتقد، قال الشيخ محمد بن إبراهيم: والصحيح القول الآخر، وأنه لا يحكم بما خالف الحق أبداً؛ لأنه قد يُخالف المذهب في مسائل فالواجب عليه أن لا يخالف الحق الذي يعتقده.
وقال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي: وهذا ضعيف للغاية، قال: والأدلة تدل على خلافه.
إذاً: الصحيح أنه يحكم بالمذهب لكن إذا تبيّن له أن الحق بخلاف ذلك فالواجب عليه أن يحكم بالحق الذي تبيّن له؛ لأن الله جل وعلا يقول: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء:١٠٥] وقال: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ} [المائدة:٤٩].
قال شيخ الإسلام: وإذا أُلزم القاضي بأن يقضي بمذهب معين فهذا شرط باطل؛ لأن الله يقول: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ} [المائدة:٤٩]؛ لكن قال رحمه الله: وإن لم يمكنه أن يقضي بغيره فينبغي له أن يقضي به وقوعاً بأدنى المفسدتين.
يعني: إذا أُلزم القاضي بأن يحكم بمذهب معيّن فالواجب أن يحكم بالحق، لكن إذا لم يمكنه ذلك، لأنه إذا حكم بالحق عُزل وولي من لا يصلح، فينبغي له أن يحكم بهذا المذهب؛ لأن هذا من باب الوقوع بأدنى المفسدتين.