[حكم الإشهاد على العقود وبيان ما يشهد به]
[ويجب الإشهاد في عقد النكاح خاصة ويسن في كل عقد سواه] فلا بد في النكاح كما تقدم في كتاب النكاح من شاهدي عدل لا يصح النكاح إلا بذلك.
[ويسن في كل عقد سواه]؛ لأن الله قال: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة:٢٨٣]]، هذا يدل على أن الشهادة في البيوع وفي غيرها مستحبة فالأمر ليس أمر إيجاب.
قال: [ويحرم أن يشهد إلا بما يعلم] قال الله جل وعلا: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف:٨٦].
وجاء في البيهقي: (أترى الشمس؟ قال: نعم.
قال: على مثلها فاشهد أو دع)، لكن الحديث ضعيف.
[إما برؤية أو سماع] يشهد إما برؤية، يكون قد رأى فيقول: أشهد أن فلاناً شرب الخمر، أو يسمع فلاناً يُطلّق امرأته فيشهد بسماعه، ومن السماع أيضاً الاستفاضة، والاستفاضة: أن يكون الخبر مشهوراً عند الناس يتناقلونه، وتكون بالموت، بالنسب، بالملك المطلق ونحو ذلك، فيصح أن يُشهد بالاستفاضة؛ لأن الحاجة داعية إلى ذلك.
فالاستفاضة: ما يتعذر غالباً علمه بالمشاهدة أو السماع فيتناقله الناس كالملك المطلق، يعني يشهد أن هذا البيت ملك لفلان لأنه بيده، لا يشهد أنه اشتراه من فلان لأن هذا يُعلم بالسماع، أما الاستفاضة فيشهد بالملك المطلق، ويشهد بالنسب ونحو ذلك.
وهنا عند قوله: (تحمّل الشهادة في حقوق الآدميين فرض كفاية) يعني لا في حقوق الله جل وعلا؛ لأن حقوق الله جل وعلا مبنية على الستر ومبنية على التسامح، فلو طُلب منه أن يشهد على زنا أو على شرب خمر فإنا لا نقول إنه يجب عليه ذلك وأنها فرض عين بل نقول: إن هذا لا يُستحب؛ لأن حقوق الله جل وعلا مبنية على المسامحة والستر، إلا أن يكون الرجل معروفاً بالفساد والشر فيتوجه كما قال صاحب الفروع: أن الشهادة هنا تجب، فيتوجه عدم الستر وينبني على هذا أن يُشهد عليه.
قال: [ومن رأى شيئاً بيد إنسان يتصرف فيه مدة طويلة].
ترى أن فلاناً يزرع هذه الأرض أو يغرسها أو يسكن في هذا البيت يتصرف فيه مدة طويلة كما يتصرف المُلّاك في هذا البيت يُرممه، ويعيد بناءه، ولذا قال: [من نقض وبناء وإجارة وإعارة فله أن يشهد له بالملك]، يقول: أشهد أنه يملكه، فإذا دُعي للشهادة شهد أنه يملكه؛ لأنه بيده مدة طويلة يتصرف فيه كما يتصرف المُلّاك.
[والورع أن يشهد باليد والتصرف]، الورع أن يقول: أنا أشهد أنه تحت يده وتحت تصرفه ويقف عند هذا.