للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لفظ الطلاق وما تصرف منه]

ثم قال المؤلف رحمه الله: [باب صريح الطلاق وكنايته].

الألفاظ الصريحة في الطلاق وفي غيره هي التي لا تحتمل غير المراد.

وأما الكناية فهي التي تحتمل المراد وتحتمل غيره.

فإذا قال: أنت طالق، فهذا صريح لا يحتمل إلا الطلاق، وإذا قال: اذهبي إلى أهلك، فهذه كناية قد يريد بها الطلاق وقد يريد بها غيره، وقوله: غطي وجهك، قد يريد بذلك الطلاق وقد يريد به غيره.

إذاً: الصريح هو الذي لا يحتمل غير المراد، فصريح الطلاق هو الذي لا يحتمل إلا الطلاق، وكناية الطلاق هي التي تحتمل الطلاق وتحتمل غيره.

هنا الحنابلة عندهم صريح الطلاق من جهة اللفظ هو لفظ الطلاق وما تصرف منه، ولذا قال المؤلف: [صريحه لا يحتاج إلى نية، وهو لفظ الطلاق وما تصرف منه]، كطالق وطلقتك ومطلقة، [غير أمر] مثل: اطلقي، [وغير مضارع]، مثل: تطلقين.

اطلقي: هذا أمر والأمر لا يتوجه إلى المرأة في الطلاق.

وتطلقين: هذا في المستقبل.

[ومطلِّقة: اسم فاعل]، إذا قال: أنت مطلقة -اسم فاعل- فهذا ليس من صريح الطلاق.

وقال الشافعية: بل صريح الطلاق هو الطلاق وما تصرف منه، وكذلك الفراق، وكذلك السراح.

لأن الله ذكر التسريح وذكر الفراق في القرآن، وهي: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء:١٣٠]، {فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:٢٢٩].

وقال شيخ الإسلام وتلميذه ابن قيم الجوزية واختار هذا القول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي: صريح الطلاق وكنايته يرجع فيه إلى العرف فما كان صريحاً في العرف فهو من صريحه، وما كان كناية في العرف فهو من كنايته، والناس يختلفون في هذا بحسب لغاتهم ولهجاتهم وأعرافهم، وهذا هو الراجح.

في بعض البلاد إذا قال لها: تغشي، فهي كلمة تفيد الطلاق عندهم ولا تحتمل غيره، وبعض البلاد تحتمله وتحتمل غيره، وهكذا.

وعلى ذلك فنرجع في هذه المسألة إلى العرف، فما عد في العرف صريحاً فهو صريح، وما عد في العرف كناية فهو كناية.

بقي الآن أن نعرف ما الذي يترتب على معرفتنا أن هذا من صريح الطلاق وأن هذا من كنايته؟ قال المؤلف: صريحه لا يحتاج إلى نية.

فإذا قال: أنت طالق، لا نسأله عن نيته، فهذا اللفظ يكفي، فلا تشترط فيه النية.

ولذا قال المؤلف: [فإذا قال لزوجته: أنت طالق طلقت هازلاً كان أو لاعباً أو لم ينو].

لأنه لا عبرة بنيته من جهة الحكم.

وقال هنا: (هازلاً كان أو لاعباً).

لقول النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه الخمسة إلا النسائي: (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: الطلاق والنكاح والرجعة)، فحتى لو كان هازلاً فإن الطلاق يقع.

إذاً: إذا قال: أنت طالق، طلقت منه ولو لم ينو، هذا في الحكم، وذلك لأن القاضي يحكم بنحو ما يسمع، فما ظهر له حكم به، فعندما يقول لامرأته: أنت طالق، فهذه العبارة صريحة في الطلاق لا تحتمل غيره، وهو على ذلك يحكم بنحو ما يسمع.

لكن إذا لم يترافاعا إلى القاضي وقال: أنا عندما قلت لها: أنت طالق، إنما أردت أن أقول: أنت طالق من زوج سابق، أو أردت أن أقول: أنت طاهر فسبق ذلك على لساني، فيدين فيما بينه وبين الله، فنقول: أنت الذي تكلمت بهذا اللفظ والأمر في ذمتك فيما بينك وبين الله جل وعلا.

إذاً: فيما بينه وبين الله يدين، لكن في الحكم لو أن المرأة قالت: إنه طلقني، وذهبت إلى القاضي وأقر أنه قال: أنت طالق، فلا يقبل القاضي منه ذلك، فالقاضي يحكم بصريح هذه العبارة، لكن في باب الفتيا يدين فيما بينه وبين الله جل وعلا.