للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ما يترتب على الرضاع المحرم]

قال: [وإذا أرضعت المرأة طفلاً بلبن حمل لاحق بالواطئ صار ذلك الطفل ولدهما].

إذا رضع هذا الطفل من امرأة، وتوفر في هذا الرضاع الشروط التي تجعله رضاعاً محرماً فماذا يترتب على ذلك؟

الجواب

يكون المرتضع وأولاده أولاداً لهذه المرضعة ولمن ثاب الحمل منه وهو الفحل.

أوضح هذا بمثال: ارتضع زيد من أسماء زوجة عمرو خمس رضعات معلومات توفرت فيها الشروط، فنقول لزيد: إن أسماء أمك وإن عمراً أبوك.

فإن قال: وهل يتأثر أبي؟ نقول: لا يتأثر أبوك من النسب وله أن ينكح هذه المرضعة، وكذلك أمه من النسب لا تتأثر.

فإذا قال: وإخواني هل يتأثرون؟ نقول: لا يتأثرون فلأخيك أن ينكح أمك من الرضاع، والعم والخال كلهم لا يتأثرون، والذي يتأثر إنما هو هذا المرتضع وأولاده فقط فيصبح كأحد أبناء المرضعة ويصبح كأحد أبناء زوجها، وأولاده كذلك، وعلى ذلك فأختها تكون خالته من الرضاع، وأمها تكون جدته من الرضاع، وعمتها تكون عمة له من الرضاع، يعني يكون كأحد أبنائها تماماً، وكذلك كأحد أبناء صاحب اللبن وهو الزوج.

أما الحواشي للرضيع من الإخوة والأخوات فلا يتأثرون، لكن أبناء المرضعة يكونون إخوانه وبناتها أخواته.

إذاً: إذا رضع هذا الطفل فإنه يدخل في هذه الأسرة فيكون مثل أحد أبنائها، ننظر إلى أحد أبناء هذه المرضعة، نقول مثلاً بكر، فنقول: أنت يا زيد أصبحت كبكر، فالذي يحرم على بكر يحرم عليك، وصلات بكر صلات لك.

أما إخوانه هو وأخواته فلا يتأثرون، أما أولاده فيتأثرون ويكونون كأولاد بكر من الذكور والإناث.

إذاً: إذا ارتضع الطفل فإنه يتأثر هو ويتأثر أولاده دون الحواشي والأصول، والأصول كالأب والأم والجد والجدة.

قال هنا: (بلبن حمل) هذا قيد، فإذا كان اللبن لم ينشأ من حمل فالمشهور في المذهب أن هذا اللبن لا يحرم، فلو أن بكراً خرج في ثديها لبن فأرضعت به طفلاً فإن هذا اللبن لا يحرم، قالوا: إنما هو رطوبة، هذا هو المشهور في المذهب.

وقال الجمهور وهو رواية عن الإمام أحمد: بل يحرم لأنه لبن، فقد أرضعته من لبنها فكانت أماً له، والله جل وعلا يقول: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء:٢٣] فهذه قد أرضعته.

والذي يحكم في هذا هم الأطباء، فإن قال لنا الأطباء: إن البكر قد يكون فيها لبن وإن هذا اللبن ينشزالعظم وينبت اللحم فهو نافع له يغذيه، فنقول: هذا لبن محرم؛ لأن الحكم يدور مع النشز وجوداً وعدماً، فأصبحت أماً له.

وإن كان ذلك مجرد رطوبة فقط لا ينشز عظماً ولا ينبت لحماً فليس بلبن نافع له، فنقول: هذا ليس بشيء.

قال رحمه الله: (بلبن حمل لاحق بالواطئ)، إذا تزوج المرأة فحملت وساب لبن من حملها فهذا الزوج يكون أباً لهذا الطفل، لأن النسب يلحقه في النكاح.

ولو نكح بنكاح فاسد يعتقد صحته لحق به الولد وعلى ذلك فالرضاع كذلك.

وإذا زنا رجل بامرأة فحملت وولدت وكان منها لبن فارتضع منه فإنها تكون أماً لهذا المرتضع، أما الزاني فلا يكون أباً؛ لأن الولد من جهة النسب لا ينسب إليه فأولى من ذلك الرضاع.

ولذا قال المؤلف هنا: (لاحق بالواطئ).

قال: [وأولاده وإن سفلوا أولاد ولدهما، وأولاد كل منهما من الآخر أو غيره إخوته وأخواته، وقس على ذلك]، هذا تقدم شرحه.

فإن كان لرجل امرأتان فأرضعت إحداهما هذا الطفل ثلاث رضعات والثانية أرضعته رضعتين -وقد قلنا: إن لبن الفحل مؤثر وينسب إليه- فالآن يكون هذا أباً للرضيع، وزوجتاه لا تكونان بذلك أمين من الرضاع، لأن كل واحدة لم ترضعه خمساً، وعلى ذلك فكل واحدة منهما تكون زوجة أبيه من الرضاع، فتكون محرمة عليه، لأن الرجل أبوه من الرضاع وهذه زوجة أب، وزوجة الأب من الرضاع محرمة عند جمهور العلماء، وعلى ذلك فلا تحتجب عنه.

والرضاع لا يوجب نفقة ولا يوجب ولاية ولا ترد به الشهادة في حق الأصول والفروع، وإنما هو تحريم في النكاح وما يترتب على ذلك من دخوله على المرأة وعدم احتجابها منه فقط، ولذا لا ينفق الأب على أولاده من الرضاع ولا ينفق الرضيع على أمه من الرضاع، وإذا فعل ذلك فإنما هو من الإحسان فقط ولا يجب ذلك.

ولا تثبت بذلك ولاية النكاح فلا يقول: أنا وليها في النكاح لأني أبوها من الرضاع.

إذاً الذي يترتب على ذلك هو تحريم النكاح فقط، فتكون هذه محرمة عليه لأنها أمه من الرضاع، ويترتب على ذلك دخوله عليها وجواز سفره بها وجواز خلوته بها ونظره إليها.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وتحريم الرضاع في النكاح وثبوت المحرمية كالنسب]، ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)، وقال الله جل وعلا: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء:٢٣].