[حكم توبة الزنديق في الدنيا وكذلك الساحر والمبتدع الداعي إلى بدعته]
قال:[ولا يقبل في الدنيا بحسب الظاهر توبة زنديق، وهو المنافق الذي يظهر الإسلام ويخفي الكفر].
الزندقة لفظة ليست في الأصل من لغة العرب، لكنها استعملت ويراد بها المنافق، وهو الذي يكون مع أهل الإسلام لكن تخرج منه عبارات يقولها في أماكن خفية تدل على كفره، ففي مجالسه الخاصة يقول بعض الكلمات التي تدل على أنه ليس بمؤمن، فهذا هو الزنديق، فإذا ذهب اثنان إلى القاضي وقالا: أيها القاضي! إن فلاناً قد قال كلمة كذا وكذا، وشهدا عليه، وأنه يقول ذلك في الخفاء؛ لأنه يظهر الإسلام، فأتي به إلى القاضي وقال: أنا قد تبت، فلا تقبل توبته في الظاهر، وأما في ما بينه وبين الله فالله يقبل التوبة، لكن نحن في الظاهر -يعني: كقاضٍ أو إمامٍ- لا نقبل التوبة في؛ لأنه كان يقول لنا في الظاهر: أنا مؤمن، وأنا تائب فلا يدرى صدق قوله، وعلى ذلك فيقتل ويكون أمره إلى الله، فإن كان صادقاً في توبته فإن الله يتقبل التوبة من عباده، وإن كان غير صادق فإنه قد أخذ حقه في الدنيا، ويجد عقابه في الآخرة.
ومثل ذلك الساحر والساحرة فإنهما يخفيان هذا الكفر، فإذا ثبت ذلك عنهما وقالا: نحن نتوب ولا نسحر أبداً، لا يقبل ذلك في الظاهر؛ فما يدرينا أنهما يصدقان.
ولذا جاءت الآثار في قتل كل ساحر وساحرة كما في البخاري من غير استفصال، ومثل ذلك شاتم الرسول، كما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
والمبتدع الداعي إلى بدعته المشهور في المذهب كذلك: أنه يقتل ولا يستتاب، ولا تقبل توبته يعني: في الظاهر، واختار شيخ الإسلام أن توبته تقبل وهو أصح؛ لأنه قد أشاع بدعته ودعا إليها ولم يخفها، بخلاف الذي يخفي هذه البدعة المكفرة فلا يدعو إلا بين أفرادٍ معينين، فإنا لا نأمن منه إذا قبلنا توبته، فلا يسلم المسلمون من شره إلا بالقتل فيقتل، وأما فيما بينه وبين الله فالله يقبل التوبة، فيقال له: أيها الساحر! إن كنت صادقاً في توبتك فأبشر، فالله يقبل توبتك، فتب إلى ربك، وصل وارجع إلى دينك، وأما الحكم فإنه يقام عليك، وذلك لأن هذا الأمر الذي كان موجوداً عنده هو أمر خفي، وادعاؤه الإسلام كان هو الأمر الموجود فهو لم يتغير فيه شيء، فقد ادعى الإسلام كما كان يدعيه سابقاً، فلا نأمن أن يعود إلى ما كان يخفيه، فيقتل ويكون أمره إلى الله جل وعلا، هذا هو المشهور في مذهب الإمام أحمد وقول كثير من أهل العلم في هذه المسألة.