[تعريف القضاء وحكمه]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب القضاء].
القضاء في اللغة: الفصل والحكم.
وفي الاصطلاح: هو تبيين الحكم الشرعي والإلزام به وفصل الخصومات.
قوله: (تبيين الحكم الشرعي)، هذا القيد يجمع مع القاضي المفتي فإن المفتي كذلك يبين الحكم الشرعي.
(والإلزام به)، هذا يختص بالقاضي، فإن المفتي يبين الحكم الشرعي لكنه لا يلزم به، قد يفتي بأن امرأته تطلق بالثلاث وتبين منه لكنه لا يلزم بذلك، فقد يذهب هذا المستفتي إلى غيره فيفتيه بغير ذلك.
وعلى ذلك فالقاضي يُلزم، وأما المفتي فإنه يبيّن فقط.
قال: [وهو فرض كفاية].
هذا من فروض الكفاية، فيجب على الأمة أن يكون فيها قضاة يحكمون بالشرع في أمصارها وأقاليمها، ويكونون على جهة الكفاية.
فإن كان في البلد عالم لا يصلح سواه للقضاء فإنه يتعين عليه ذلك.
إذاً: القضاء من فروض الكفاية؛ لكن إن كان لا يوجد في البلد سواه يصلح للقضاء فإنه يتعين عليه.
لكن بالنسبة للفرد الذي تتوفر فيه صفات القاضي ويوجد غيره يتولى القضاء، هل يستحب له أن يتولى القضاء أو لا يستحب له؟ قولان لأهل العلم: القول الأول: أنه لا يستحب؛ قالوا: لما جاء عند الأربعة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من ولي القضاء فقد ذُبح بغير سكين).
وروى الخمسة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (القضاة ثلاثة: اثنان في النار وواحد في الجنة: رجل عرف الحق فقضى به فهو في الجنة، ورجل عرف الحق وجار في الحكم فهو في النار، ورجل لم يعرف الحق وقضى للناس على جهل فهو في النار).
والقول الثاني: أنه يستحب له أن يتولى القضاء، واستدلوا بأن النبي عليه الصلاة والسلام قد تولى القضاء، وأن الخلفاء الأربعة كذلك قد تولوا القضاء.
قالوا: وإنما يُحمل ما تقدم من قوله عليه الصلاة والسلام: (من تولى القضاء فقد ذُبح بغير سكين) على ما يُخشى على القاضي من طلب الرياسة والمال وما يحوطه مما يُخشى عليه من المفاسد، فإن قوي على نفسه فهو مستحب، وهذا هو الراجح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: والواجب في ولاية القضاء اتخاذها ديناً وقربة، وإنما فسد حال الأكثر لطلب الرياسة والمال فيها.