[أن يكون الخلع على عوض]
ثم قال: [الثاني: أن يكون على عوض]، هذا هو الشرط الثاني: أن يكون على عوض، فإن كان الخلع على غير عوض فلا يصح، لو قالت المرأة: اخلعني يا فلان بمائة ألف فقال: خلعتك مجاناً، نقول: هذا ليس بخلع، إذا أردت فطلق وقل: أنت طالق، أما الخلع فلابد أن يكون بعوض، وعلى ذلك فلا يصح الخلع مجاناً.
قال: لكن لو قال: خلعتك وقد نوى به الطلاق، فهذا طلاق.
قال: [ولو مجهولاً]، أي: ولو كان العوض مجهولاً؛ لأن الخلع فيه إسقاط للحق، فاغتفر فيه كعقود التبرعات.
وعلى ذلك لو قالت المرأة: طلقني ولك ما في هذه الحقيبة، وقد يكون فيها مائة ألف، وقد يكون فيها ألف، وقد لا يكون فيها إلا عشرة دراهم، وقد يكون فيها قطعة ذهب، فإذا طلقها على ما في هذه الحقيبة جاز.
ولذا قال المؤلف: (ولو كان مجهولاً)، فيغتفر فيه هذا لأنه من باب الإسقاط، فهو يسقط حقه، فلم يشترط العلم به بخلاف البيع.
قال: [ممن يصح تبرعه من أجنبي وزوجة]، أي: لابد أن يدفع هذا العوض ممن يصح تبرعه، فإذا كانت الزوجة لا يصح تبرعها فلا يصح دفعها للخلع، وعلى ذلك فالثمن مردود والخلع باطل، كما لو كانت المرأة صبية غير مكلفة، أو كانت غير رشيدة أو كانت المرأة محجوراً عليها.
تزوج امرأة عمرها مثلاً عشر سنوات، ولم تبلغ بعد، أو قد بلغت لكنها ليست رشيدة، فقالت له: طلقني، فقال: أعطيني الذهب وأطلقك، فدفعت له حليها وخلعها، لم يصح ذلك، لأنها غير مكلفة، وكذلك إذا كانت مكلفة وليست رشيدة؛ لأن تبرعها لا يصح، فكذلك دفعها لعوض الخلع.
وكذلك الأجنبي، فلو قال أخوها: أنا أدفع العوض وكان ابن عشر سنين مثلاً ولم يبلغ بعد، أو بلغ لكنه غير رشيد أو كان محجوراً عليه، لم يصح، فمن لا يصح تبرعه لا يصح دفعه للعوض.
قال: [لكن لو عضلها ظلماً لتختلع لم يصح]، وهذا كرجل خلع امرأته ودفعت له العوض لكن ذلك ثمرة عضلها، والإضرار بها، فقد ضار بالمرأة وعضلها ومنعها حقوقها، كالنفقة أو المبيت عندها، أو أساء عشرتها فضربها يريد أن تطلب منه الخلع، ليأخذ الثمن الذي أعطاها إياه، فهذا لا يجوز، قال تعالى: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} [النساء:١٩].
وعلى ذلك فالثمن مردود والخلع باطل والزوجية على حالها.
والحاصل أنه إذا خلعها بعد أن ضار بها وعضلها لتدفع له شيئاً مما آتاها، فدفعت لتتخلص من هذا الظلم وهذا العذاب الذي لحقها، فهنا نقول: الخلع باطل، والمرأة لا تزال في ذمته وليست بائناً منه والثمن مردود.
فإن ظلمها لا لتفتدي منه؛ لكنها افتدت منه، صح في المشهور من المذهب.
هذا رجل ظلم امرأته وآذاها وبخسها حقها من مبيت أو نفقة أو غير ذلك، فأرادت المرأة أن تتخلص من هذا الظلم، فقالت: خذ ما دفعته وطلقني، ولم يكن قد نوى بهذا العضل والمضارة لكن هذا هو طبعه، أو أنه قد حصل منه ظلم لكراهيته لها، لكنه لم يكن ينوي أن يأخذ منها مهره، فما الحكم؟ قال المؤلف هنا: (لكن لو عضلها ظلماً لتختلع لم يصح) ومفهومه أنه لو عضلها ظلماً لا لتختلع فاختلعت فالمشهور في المذهب أن الخلع يصح، والثمن لا يرد، لكنه آثم لظلمه.
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أن هذه المسألة كتلك، وذلك لأن هذا الخلع هو ثمرة هذا الظلم، فالظلم سبب للخلع، وهذا هو الراجح.
إذاً: إن عضلها لتفتدي منه فافتدت فالخلع باطل والثمن مردود، فإن عضلها لا لتفتدي لكنها افتدت فعلى قولين: القول الأول: أن الخلع يصح، ولكنه آثم لظلمه.
والقول الثاني وهو الراجح: أن الخلع باطل والثمن مردود، ونقول له: إما أن تحسن عشرتها وإما أن تطلقها، وهذا هو القول الراجح؛ لأن هذا الخلع سببه الظلم، وعلى ذلك فلا يحل له أن يأخذ هذا المال؛ لأن هذا المال الذي أخذه سببه هذا الظلم الذي حصل منه.