للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ما تنعقد به اليمين]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب الأيمان].

الأيمان: جمع يمين، وهي الحلف والقسم.

واليمين: هي تأكيد الأمر المحلوف عليه بذكر معظّم، يقول: والله لا أزور فلاناً في داره، فالأمر المحلوف عليه هو ترك زيارة فلان في داره، فيؤكد هذا بمعظّم وهو الله سبحانه وتعالى، قال الله جل وعلا: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة:٨٩] الآية.

قال: [لا تنعقد اليمين إلا بالله تعالى، أو اسم من أسمائه، أو صفة من صفاته كعزة الله وقدرته وأمانته] أي: كأن يقول: وقدرة الله، وعزة الله.

قال: [وإن قال: يميناً بالله أو قسماً أو شهادة انعقدت] أي: فإن ذلك كله قسم ويمين.

كذلك لو قال: حلفت بالله، أو أحلف بالله فإن ذلك كله من القسم.

وإن قال: حلفت ونوى اليمين بالله فيمين أيضاً، أي: إذا قال: حلفت ألا تفعل كذا، أقسمت ألا تفعل كذا ونوى القسم بالله أو الحلف بالله فيمين أيضاً.

[وتنعقد بالقرآن]؛ لأن القرآن كلامه جل وعلا، فلو قال: والقرآن، أو والفاتحة فإن ذلك يمين، [وبالمصحف] فلو قال: والمصحف فكذلك؛ لأن المصحف كلام الله جل وعلا، [وبالتوراة، ونحوها من الكتب المنزّلة]؛ لأن التوراة كذلك كلام الله جل وعلا، ويكون مراده التوراة المنزّلة لا ما دخل فيها من تحريف].

إذاً: الحلف بالله أو بصفة من صفاته أو بالقرآن ذلك كله يمين فيها الكفارة.

قال: [ومن حلف بمخلوق كالأولياء والأنبياء عليهم السلام] كالذي يقول والنبي [أو بالكعبة أو نحوها حرم]؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من حلف فليحلف بالله أو ليصمت) متفق عليه، وفي الترمذي: (من حلف بغير الله فقد أشرك أو كفر).

وفي الصحيحين (من حلف باللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله).

وفي أبي داود (من حلف بالأمانة فليس منا).

هذا يدل على أن الحلف بغير الله شرك لا يجوز، وهو من الشرك الأصغر الذي لا ينقل عن الملة إلا أن يعظم المحلوف به كتعظيمه لله، كالذين يحلفون بـ الحسين، أو بالشيخ، أو بالسيد، ونحو ذلك يعظّمونه بالحلف، ويعظّمونه بأنواع من القرب والعبادات.

قال: [ولا كفارة] يعني: لا كفارة في ذلك.

فالذي يحلف بالكعبة أو يحلف بالنبي عليه الصلاة والسلام يأثم ولو حنِث لم يكفّر؛ لأنها يمين غير محترمة، وإنما شُرعت الكفارة لرفع المؤاخذة، والمؤاخذة إنما تكون عن اليمين المحترمة لا اليمين المحرمة التي لا احترام لها، قال جل وعلا: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ} [المائدة:٨٩] فدل ذلك على أن الكفارة شُرعت لرفع المؤاخذة، وهذا إنما يكون في اليمين التي لها احترام دون اليمين التي لا حرمة لها، وهي اليمين بغير الله جل وعلا.