للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: فإن قال قائل: فإن الأكل والشرب من الملاذِّ.

قيل له: هذان لا تقوم النفوس إلا بهما، وتركهما مُتلِف، وليس المباشرة كذلك.

وقد احتج بعض المتأخرين في جواز الاعتكاف بغير صوم بشيء روي عن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-، أنه سأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: كنت نذَرتُ أن أعتكف في الجاهلية ليلة، فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَفِّ بنذرك" (١)، وقد رُوي: "اعتكف وصم" (٢)، فقال: الليل لا صيام فيه (٣).

وهذا غلط فاحش، لأن العرب لا تعرف الليلة إلا بيومها، ولا اليوم إلا بليلته، وقد قال اللَّه تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ} [الأعراف: ١٤٢]، فلا اختلاف أن الأيام داخلة في الوعد مع الليل، وقال: {آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ} [آل عمران: ٤١]، فدخل الليل في النهار، وقال: {ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مريم: ١٠]، فدخل الليل في النهار، ألا تراه قال: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: ١١]، فدخل العَشِيُّ والبُكْرَة في الليل، لأنه قال: {آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ}، {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ}: أَوْمَأ، ولم يتكلم بالنهار أن سبِّحوا.

ومع هذا فقد اختلفت الرواية عن عمر، فقال بعضهم ليلة، وقال بعضهم: يومًا.


(١) متفق عليه، البخاري برقم ٢٠٣٢، كتاب: الاعتكاف، باب: الاعتكاف ليلًا، ومسلم (٨٨١٥)، كتاب: الأيمان، باب: نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم.
(٢) رواه أبو داود برقم ٢٤٦٦، كتاب: الصوم، باب: المعتكف يعود المريض.
(٣) جواز الاعتكاف بغير صوم مذهب الشافعي، انظر الأم (٢/ ٢٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>