الذي دلت عليه الأخبار في تفسير ذلك، أنه لا ينبغي لأحد أن يحرم على نفسه كل النساء، فيجوز له أن يحرم عليه بعضهن، لأنه إذا تزوج أربعًا حرم عليه ما عداهن، والتحريم هاهنا وإيقاع يمين الطلاق، وهو شيء يُلزمه الإنسان نفسَه ليحمل عليه عند ملكه بعض النساء، فله أن يقول: إن تزوجت في بني فلان، وواللَّه لا تزوجت في بني فلان، والتحريم يمنع لليقين، وقد قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تزوجوا في بني فلان، فإنهم عفُّوا فعَفَّت نساؤهم"، ونهى عن آخرين، فالذي حظر اللَّه على الرجل أن يحرمه في باب النكاح الكلّ، فإن حرمه لم يَحْرُم، وإباحة الامتناع من البعض بيمين كان ذلك أو بغير يمين.
وأما الإماء فليس يجوز له أن يحرم منهن شيئًا، وإن حرم لم يَحْرُم، ألا ترى أن عائشة -رضي اللَّه عنها- لما قال لها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في مارية:"إنها علي حرام"، فقالت: كيف تحرمها وهي لا تحرم؟ فقال:"فواللَّه لا وطئتها"، فأنزل اللَّه تبارك وتعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: ١ - ٢]، فأُمر أن يكفر عن يمينه.
وقد كان ناس من أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أرادوا أن يتخلوا من الدنيا، ويتركوا النساء ويترهبوا، منهم علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-، وعثمان بن مظعون،